أصبح لي وطن

 

 

بدرية بنت عبدالله الكندية

بردٌ يجتاحُ قلبي كما اجتاح أجواء عُمان الأبية، حزنٌ يكتوي بناره فؤادي وفؤادُ كل عُماني ذاق طعم الحياة الرغيدة مع سلطاننا الماجد ابن الأماجد قابوس بن سعيد -رحمه الله برحمته الواسعة وجعل مثواه جنان الفردوس الأعلى.

من كنت ومن كنا قبل قابوس؟ كنا شتاتاً في أرجاء المعمورة لا ندري من نحن حتى جئت يا قابوس، كنا بلا وطن، ربما حتى بلا أقارب، كان الابنُ بعيداً عن أبويه، والزوج بعيداً عن زوجته وأبنائه، وكل ينتظر رسالةً من حبيب بعيد أو مهاجر تخبره بأنه ما زال على قيد الحياة، حتى أشرقت شمس 23 يوليو من العام 1970، وإذا بأجراس الحرية تقرع، وإذا النداءات تتلاحق نداءً وراء نداء، وإذا بالطيور المهاجرة تغرد عائدة إلى عُمان إلى الوطن فقد أصبح لنا وطن، عدنا إليك يا عُمان، وكنت أنت يا قابوس البطل الذي أنار لنا الطريق، كنت أنت الرائد والقائد. كنت الفاتح العظيم الذي أزال الرماد عن جمر التراث والتاريخ، نفضت عن شعبك غبار الشقاء والتعب، وأشعلت شعلة العُماني لتضيء بنورها العالم.

قابوس يا فارسا من عُمان اعتلى صهوة المجد حتى غار المجد من مجدك، وصفق لك التاريخ يحكي قصة الفارس المغوار الذي جاء ليبني عُمان، ليكرم عُمان، ليبني دولة نمت بالمحبة وارتوت من الوئام والسلام. واليوم هي نبراس بين الأمم ومشعل نور يُحتذى. قابوسنا يا من نُكِّست له الأعلام -عربية وغير عربية- ويا من كان ساعيا للخير بين الأمم، تبكيك نخوة العربي الشهم، وترثيك قصائد الشعراء فتقف عاجزة ولا توفيك.

كيف أجفِّف دموعي، والحسرة في القلب تأكلني على أب مسح دمعة اليتيم وسد حاجة المحتاج، وجعل لنا عزة نرفع بها رأسنا، نقول: أنا عُماني، وأنا عُمانية وطننا عُمان، وفخرنا قابوس.

كيف ترتحلُ عن عُمان شمسها الدافئة ونورها البهي، كيف نودع خمسين عاما من الحب والاعتزاز والولاء، لكنها حكمة الله جل في علاه، أن لكل شيء نهاية، وأن الموت حق وأن الفناء طريق كل حي، وعزاؤنا أنك في القلوب باق ما بقيت قلوبنا، وأن ما زرعت قد أزهر وأثمر وأنك اليوم تحصد دعوات المحبين وتضرع شعبك كاملا لك بالرحمة والمغفرة فقد أديت الأمانة. تركت عُمان ترفل بثياب الفخر بما حققت على أرضها الطاهرة الأبية تركت فوق رؤوسنا سقوفا، وبأيدينا أسلحة من العلم والحصافة نضيف بها إلى مجد التاريخ وتراث الآباء.

وكأنك أبيت إلا أن تخلد التاريخ من بعدك بأسد هيثم من آل سعيد الأشاوس ليكمل المسيرة، ويقود عُمان بيد حانية تكفكف دموع الحزانى، وتربت على كتف عُمان مطمئنا مهدئا، واعدا بغد يستلهم من الأمس قبسا ومن الأمل آمالا عظام، بعُمان ترتقي سلالم المجد من جديد، ووعد من خير خلف لخير سلف..

اطمئني يا عُمان؛ فالقادم والمستقبل لنا معا، يدي تسند أياديكم على طريق المجد ماضون.

تعليق عبر الفيس بوك