أنيسة الهوتية
اكتظت ولازالت تكتظ وسائل الإعلام العالمي والاجتماعي بكل ما يحتويه من تطبيقات بالخبر المفجع لوفاة - المغفور له بإذن الله - والدنا، وقائدنا، وسلطاننا ومعلمنا الذي انتهج "السلام" نهجاً وصراطاً، الرجل الذي كان "حمامة سلامٍ" يحوم العالم ببياضه.
رجل رافقته تقوى الله وخشية غضبه ونقمته، مؤمناً بوحدانيته وربوبيته وبأنّ الله عزيز ذو انتقام، وهذا ليس بغريب على دارس القرآن وحافظه، وأيضاً هناك دورٌ لشخص آخر في أنّ - المغفور له - سلك هذه الطريق الخاشعة الملأى بالتقوى، وعدم الترامي في المهالك والخصومات والحروب، ليس فقط للمسائل الدبلوماسية وحفظ العلاقات الدولية والتي كان من الممكن ان يُخرِج منها مدارك لنفسه إن هَوَت التَمرُد والجَبروت، وإنما خشية من الله ليقينه بأنّ "كل راعٍ مسؤول عن رعيته" وأن "لا يدخل الجنة من في قلبه ذرة من كِبر"، و" أن الله يغفر كل شيء إلا الشرك به وحقوق العباد" وغيرها الكثير من المبادئ الإنسانية الإيمانية التي تُرسِخ في قلوب المؤمن حب الله وخشيته والسعي لنيل محبته ورضاه مع إتمام واجباته الدنيوية دون التخلف عنها.
والشخص الآخر الذي نتحدث عن دوره هنا، والذي كان له يَدٌ في سقي ذلك التقوى والورع في قلب فقيدنا وحبيبنا - طيب الله ثراه – هو سماحة الشيخ مفتي عام السلطنة أحمد بن حمد الخليلي أطال الله في عمره وأبقاه بصحة وعافية ورضا نفس وجعله من أولياء الله الصالحين في الأرض والسماء، ورضي عنه وأرضاه في الدنيا والآخرة.
يا لنقاء روحك وسماحة قلبك وعظمة دينك يا شيخنا، بارك الله فيك وعليك وحواليك، يا زارع شجرة التسامح في أرض عُمان الطاهرة والتي امتدت جذورها إلى أقصى باطن الأرض وفروعها إلى جوف السماء. واستظل بظلها كل من تلقاه دون حساب واحتساب، ولكم الأجر بإذن الله الواحد الأحد على هذا الخير الذي زرعتموه في زمن الشدائد والخصومات والفتن.
ومع ألم الفقد الذي مزق أوتار قلوبنا، كان هناك ألمٌ آخر خفيٌ في قلبي حين رأيت وجه سماحة الشيخ حزيناً ودمعته في عينه تتوارى، وحين سقطت الدمعة مسحها سريعا حتى لا يراها أحد.
كم تألم قلبي لذلك المنظر، وخاصة حين جلس محايداً في زاوية وطرف بعيد، عندما رفعت الأكتاف الكريمة نعش فقيد الأمة ليوارى في حضن أمه عُمان التي صانها نصف قرن ومايزيد. وتمنيت أن أمسح تلك الدمعة وأقبل رأسه ويده الكريمة التي لا تستحق منا سوى كل تبجيل وتقدير.
آللهُم إنّي أسألك وأدعوك دعاء العبد المرتجي لطفك ورضوانك، أن تحفظ لنا سماحة الشيخ مفتي عام السلطنة أحمد بن حمد الخليلي، وترزقه العمر المديد مع الصحة والعافية بالعقل السديد والحكيم، وتجعله رفيق درب لسلطاننا هيثم بن طارق آل سعيد - حفظه الله ورعاه - يا آلله يا مستجيب الدعاء.
آللهم فإنّا نحبه فيك حبا جما، وإنّما هذا أمرك إذا أحببت عبداً أمرت ملائكتك وخلقك أن أحبوه فأحببناه، وندعوك أن تحفظه لنا كي نستنير بعلمه الذي رزقته إيّاه فإنّه "معلم التسامح" وزارع شجرتها.