بكت السماء

غصن بن هلال بن محمد العبري

لقد فجعت عمان جميعها كما فجعتم وسالت العيون بالدمع كما في مقامكم الرفيع فعلتم.

إن فقد المغفور له بإذن الله تعالى جلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور- طيب الله ثراه- أعظم مما تجدي عنده تعزية أو تحيطه عبارات التواسي بين أفراد الأمة، ناهيك عن من هم أخص بالأمر وأقرب إليه والحال يقول:    

بكت السماءُ عليك والحيوانُ

بالله كيف لا يبكيكمُ الإنسانُ

 

مُذْ ودعتك عمان تغسلها السما

أملاً بأنْ تصفو بنا الأحزانُ

 

سعف النخيل يكاد يلمس جسمه

وإليه كانت تنحني الأفنانُ

لكنَّ ما أثلج صدورنا وطيب خواطرنا أن وجدنا سيدنا- رحمة الله عليه- يولي أمرنا اهتماما حتى بعد لقاء ربه فكان أن أشار بتولية صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق بن تيمور- أيده الله- مقاليد الحكم لما توسم فيه من صفات ولما عرف عنه من خلالٍ.

فهنيئاً لنا أنْ قد حبانا وأنعما

بقابوس رَبِّي ثم من بعد هيثما

 

جلالة سلطان البلاد أراده

خليفته فيما به قد توسَّما

 

لذاك علينا واجب أنْ نحبه

محبة من أوصى به حين أقسما

نعم سوف يكون لجلالة السلطان هيثم بن طارق بن تيمور- حفظه الله ورعاه- منا الولاء والطاعة والسير خلف قيادته دونما إنكار أو نسيان للفضل العظيم والذكر الكريم لجلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور طيب الله ثراه.

فصعبٌ علينا أن تطيب نفوسُ

من غير ما ذكر لكم قابوسُ

 

أتممتَ عهدك بالجميل كما بدا

هذي عُمَانُ كما أردتَ عروسُ

 

زُفَّتْ إلى من شئته ورأيته

كفئاً لها، إن الحياةَ دُرُوسُ

 

متطلعين بأنْ يُواصل نهجكم

وله الولاء علينا كيف يَسوسُ

ذلك أنه قد أمضى فينا نصف قرن، ننام ويسهر، نمرح ويضجر، نسينا همومنا بين يديه، وارتقينا علما وادراكا بعد الله سبحانه بسببه.. 

فخمسون عاما بناها كيف تنساه

ويلاه مما تحس النفس ويلاه

 

خمسون عاما بها في كل ثانية

مجداً بناه وصرحا قد رأيناه

 

خمسون عاما فقدنا من أحبتنا

من لا يساويه حزناً إذ فقدناه

فقد كان يحسن فينا ثم يشكرنا ويذهب عنا كأنما هو الضيف ونحن أصحاب المنزل قائلا: "أحسنتم.. وفي أمان الله".

أحسنتَ أنت وفي أمانِ اللهِ

يا من بفكرك نكتسي ونباهي

 

قابوس كم من مثلكم بين الورى؟

من مثلكم ؟ يعني من الأشباه

 

فماذا عسانا بعد رحيله فاعلون؟

 

أنبكيه دمعاً أم سنبكيه بالدمِ

وهل كل ما في القلب يُنْطَقُ بالفمِ

 

بماذا نسلي النفس بعد رحيله  

وقد كان فينا كالفؤاد المتيم

 

مُحِبَّاً مُحَبَّاً لا يفارق طيفُه

خيالَ فتى مِنَّا، فصرنا بمئتمِ

 

لقد أذهلنا رحيله ووقفت دون ذلك الحيلة

حتى القصيدة تكتنفها حيرة

هل سوف يقرأها أبِي قابوسُ؟!

 

بل حالها  حال الغزالة في الفلا

تسطلع الآفاق وهي تحوسُ

إنَّ اللسانَ ليعجز عن ترجمان ما يجول من الحزن في النفوس ولسان الحال يقول:

أعجزتني عنْ أنْ أعَبِّرَ سَيِّدي

فالقلبُ حُزْنَاً دونكم يتفطَّرُ 

 

ولسانُ حالي قائلا ماذا عسى

عن عهدك الميمونِ سوف نسَطِّرُ

 

خمسين عاما قد حملت همومنا

عَنَّا تذودُ، لنا تجود، تُفَكِّرُ

 

أنسيتنا حتى السنين فلم نكن

لولا بِعِيدَكَ نَحْتفي، نَستَذكرُ

 

قابوس كنتَ ولم تزل بقلوبنا

وعقولنا، إنا لبعدك سيدي نتضوَّرُ

ومع كل ما نشعر به من أسى على الفراق، وما تعانيه القلوب من وهج واحتراق، نعتب على مشاعرنا أنْ لم ترتقي إلى مستوى الحدث:

عَتَبِي على نَفْسي مَريرٌ أنَّها

لمَّا تذبْ حزناً، كما قد ذابا

 

حق عليَّ له، على أفضاله

في أنْ أكونَ لنعشهِ جِلْبَابَا

 

لو أنَّ أرْواح البرايا ملكهمْ

سرنا إليهِ نَزُفُّها أسرابا

 

هذا هو حال كل عماني اليوم

بين العرفان والإطمئنان وكأنهم يقولون 

أبَىَ قابوسُ إلا أنْ يكون المتمِّمَا

لذاك قد اختارَ الخليفةَ هيثما

رحم الله جلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور- طيب الله ثراه- وجزاه خير الجزاء عن شعبه وأمته وأيد الله صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق بن تيمور المعظم، وسدد على طريق الخير خطاه إنه نعم المولى ونعم النصير. وحفظ الله عمان وجلالة السلطان.

تعليق عبر الفيس بوك