الوفاء والولاء

 

 

أنيسة الهوتية

 

أتتني صغيرتي وهي تبكي بكاء يخشع له قلوب الجبابرة وارتمت في حضني وكأنّها قطعة قماش مبتل، ورغم أنّ قلبي مفطور من ذات الأمر الذي أبكاها إلا أنّه كان عليّ أن أحتويها وإلا سيفعل بها الحزن أفعالاً لن تحمد عقباها.

طوقتها بذراعي ولم أمنعها من البكاء حتى تنقشع الغمامة السوداء من على قلبها، وتحجرت دموعي في قلبي قبل عيني كي أبقيها مطمئنة بأنّها تستند على قوة.

وبعد فترة نطقت: "أمي إن قلبي يتوجع، أكاد أموت من هذا الشعور" فأمسكت بوجهها الصغير بحنان ونظرت إلى عينيها اللتين تحول بياضهما إلى حمرة وبؤبؤي عينيها كأنّهما قاربان غارقان في بحر هائج تحت سماء أحمر.

واستمرت: "بالأمس بابا قابوس واليوم جدتي" فقلت لها: أتعلمين أن جدتك - رحمها الله - كانت تحب قصص قبل النوم؟ فتلألأت عيناها، وأكملت: نعم، فقد كنت أحكي لها قصص قبل النوم، وبينما أنا أحكي لها كانت تنام والليلة التي تليها تطلب مني أن أكمل من المقطع الذي نامت فيه.

فمسحت دموعها وقالت: وأي القصص أحبت أكثر؟ فأخبرتها: كانت تحب قصة سام وحبة الفاصولياء، حتى أننا عندما كنا نطبخ الفاصولياء للعشاء كانت تقول: "لو أننا نزرع حبة منها توصلنا إلى أرض العمالقة ونأخذ منهم بيضتين ذهبيتين فقط، ولن نطمع بالمزيد"..

فضحكت وخف هم القلق عليها من قلبي، ثم بدأت الحوار:

هي: ماما، هل تعرفين السلطان هيثم؟

أنا: نعم أعرفه ونعم الرجل.

هي: هل هو مثل بابا قابوس؟

أنا: أكيد، وإلا لما كان سيختاره خليفة له.

هي: هل تعرفينه شخصيا؟

أنا: نعم.

هي: هل تستطيعي أن تطلبي منه شيئاً؟

أنا: وهل تريدينني أن أخرج عن قاعدتنا ومبدأ عائلتنا؟ ألا نطلب من أحد شيئاً إلا إذا كان حقا مشروعا لنا سلب منا أو منع عنا، وألا نطلب من معارفنا وأصدقائنا وإن كانوا أصحاب مال ونفوذ، وأن نقتنع بما لدينا ونجتهد للمزيد بعملنا.

هي: لا لا، ليس كذلك الطلب ليس لنا، بل لبابا قابوس.

نظرت إليها بإستغراب، وقلت: لا نحتاج أن نطلب من صاحب الجلالة هيثم بن طارق - حفظه الله - شيئا لأجل بابا قابوس -طيب الله ثراه - فإنّه سيفعل المستحيل لأجل إتمام وصيته لأنّه يحبه كما نحن نحبه، ألم تسمعي حين قال: "لقد شاءت إرادة الله سبحانه أن نفقد أعز الرجال وأنقاهم" الألم الذي تشعرين به يا حبيبتي يشعر به الجميع، وعلى الأقل نحن نفسنا عن حزننا مع بعضنا البعض!

وسيبقى حبيبنا قابوس في قلوبنا ما حيينا وفي تاريخنا وتاريخ الأمم الأخرى وسيُكتب في نهاية سيرته بأن أغلب دول العالم والأمم المتحدة نكسوا أعلامهم وأعلنوا الحداد لوفاته - طيّب الله ثراه - لأنه حاكم لم يكن مثله قبله.

فقط كوني ابنة بارة لبابا قابوس ولجدتيكِ وجديكِ، وتذكري الحديث الشريف: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث، صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له"، فكوني هذا الولد الصالح، وكوني شريكة في مسيرة بناء وتطوير الوطن في المستقبل، بعلمك وثقافتك وعملك ومبادرتك وتطوعك، وآمني إيمانا تاما أنّ الوطن له صناع قرار يجب أن نثق فيهم ونتعهد لهم بالولاء والوفاء.