قابوس.. أعزَّ الرجال

 

سيف المعمري

خمسون عامًا بين فجرين، فجر بشَّرنا بإشراقة شمس جديدة على عُمان وأهلها، وفجر قاتم مُوجع نزل كالصاعقة على قلوبنا، بنبأ رحيل من بشَّرنا بالفجر الأول، جلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور- طيب الله ثراه- حيث أسلمت روحه الطاهرة إلى بارئها، وما بين الفجرين، قدَّم فقيد الأمتين العربية والإسلامية، منهجا متفردا في فنون القيادة السياسية والإنسانية والأخلاقية والحضارية.

فقدنا أعز الرجال وأنقاهم.. نعم هكذا وصف مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق بن تيمور المعظم-حفظه الله ورعاه- في كلمة جلالته بُعيد أدائه لقسم اليمين بتنصيبه سلطاناً على البلاد، نعم يا مولانا السلطان هيثم بن طارق .. لم تفقده عُمان فحسب، بل فقده كان مفجعاً للعالم أجمع.

قابوس .. أعزَّ الرجال وأنقاهم .. لأنه أعاد لعُمان مجدها الحضاري، فوعد وأوفى، كان- رحمه الله تعالى- نقي المظهر والمخبر، نشر رسائل المحبة والسلام في جميع ربوع المعمورة .. فقال ذات يوم رحمه الله تعالى: "شعبنا العزيز... إنّ السلام مذهب آمنا به، ومطلب نسعى إلى تحقيقه دون تفريط أو إفراط"، وقال أيضًا في مناسبة أخرى: "إنني أريد أن أنظر إلى خارطة العالم ولا أجد بلدًا لا تربطه صداقة بعُمان".

ولأنَّ العظماء لا تموت سجاياهم ومآثرهم النبيلة، فمنهج قابوس في حياته ومماته يختزل كل دروس عظماء التاريخ، فما شهدته عُمان من انتقال سلس للسلطة، أعطى للعالم درساً آخر في عظمة قابوس وحكمته وبعد نظره، فقد تضمنت الرسالة الأولى الموجهة من السلطان قابوس بن سعيد -رحمه الله- إلى مجلس العائلة الكريمة عبر مجلس الدفاع اسم سلطان عُمان الجديد، وجاء نص الرسالة على النحو التالي:" ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. أصحاب السمو أعضاء مجلس العائلة الكرام. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. فقد حمَّلكم النظام الأساسي للدولة أمانة عظيمة، وكلفكم مهمة جسيمة، بإسناده إلى مجلسكم المُوقر مسؤولية تحديد من تنتقل إليه ولاية الحكم وذلك خلال الثلاثة أيام من شغور منصب السلطان، وحيث إنَّ مجلسكم الموقر لم يتفق على اختيار سلطان للبلاد في المُدة التي حددها النظام الأساسي للدولة، فإننا بعد التوكل على الله، ورغبةً منِّا في ضمان استقرار البلاد؛ نُشير بأن يتولى الحكم السيد هيثم بن طارق؛ وذلك لما توسمنا فيه من صفاتٍ وقدراتٍ تُؤهله لحمل هذه الأمانة. وإننا إذ نضرعُ إلى الله العلي القدير أن يكون عند حسن الظن الذي دعانا إلى اختياره، والثقة التي دفعتنا إلى تقديمه، فإننا ندعوكم جميعًا إلى مبايعته على الطاعة في العُسر واليُسر، والمنشطِ والمكره، وأن تكونوا له السند المتين، والناصح الأمين، مُعتصمين دائمًا تحت قيادته بوحدة الصف، والكلمة، والهدف، والمصير، متجنبين كل أسباب الشقاق والفرقة، والتنديد والتناحر، عاملين بقوله تعالى "وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ " صدق الله العظيم. وفقكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. قابوس بن سعيد".

وليس بعد تلك الكلمات القابوسية النبيلة إلا أن نقول: رحمك الله وأسكنك فسيح جناته يا قابوس المعظم، رحمك الله يا أعزَّ الرجال وأنقاهم، طبت حيا وميتا، نم قرير العين، ونشهد الله بأنك قد أديت الأمانة وراضون عنك، وقد بايعنا مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المُعظم- حفظه الله ورعاه- على الطاعة في العسر واليسر، سائلين المولى العزيز لجلالته التوفيق والسداد لإكمال مسيرة الخير لهذه الأرض المُباركة.