تُوُفِّيت الْآمَال وَانْحَلَّت الْعمَائِم

خليفة السعيدي

تُوُفِّيت الْآمَال وَانْحَلَّت الْعمَائِم
ونُكّست الْإِعْلَام وتَصلّبت الْخَنَاجِر

جِئْت أَطْعن عَلى قُلُوب الْمرَاثِي واعصر عَلى أَكْبَاد البكائيات ،
وأنحت فِي أرزاء الصَّخْر ، وَاسْتَمِع إلَى نَحِيب النَّخل الَّذِي يضطْرِب سَعَفِه حُزْن عَلَيْك وَإِلَى نَشِيج السَّوَاقِي الَّتِي يهيِّج جَرَيَانِهَا أسفاً عَلَيْك ، وإِلَى صَفِير الرِّياح التِي تزمجرو وهِي تَمرُّ بِكُلّ شَبَابِيك القلاع الثَّكْلَى وَكُلّ أرصفة الْحَارَات الباهتة وَكُلّ الْقُرَى الَّتِي اِتّشَحَت بِالسَّواد ، أَيْن صَوْتَك ؟ أَيْن أبهتك ؟ أَيْن ابتسامتك ؟
 
كَانَ آلُ سعيداً يَوْمِ وَفَاتِهِ
نجومٌ خَرَّ مِنْ بَيْنِهَا الْبَدْر


‏جئت خيالاً مَحْمُولًا ً عَلَى أَسِنَّة جِبَال عُمَان ، عَلى عَمَائِم رِجَالِهَا ، عَلَى مُفَارِقِ نِسَائِهَا ، عَلَى تَمَوُّج شواطئها ، وَعَلى كُلّ نَسمة تَهُبّ فِي أَرْجَائِها لَها نَفْسٌ مِنْك ، وعَلى مَدّ الْأَبْصَار مِن أَرْضِهَا لَا يَعْلُو إلَّا بَصَرُك ، يَا سيِّدِي ظَمِئْت الْقُلُوب إليك، لَا سقيا سِوى رَنين صَوْتَك، وتعبت قَوَافِل الْفِكْر، لَا شِفَاء إِلا مَلامِح إطلالتك . . .
وتشدقت كل صَحارِي عُمَان حُزن عَلَيْك وضجت إِصْداءٌ الْمَقَابِر نحيب فِي جِنَازتك لِأَنَّك رَمَيْت وَجْه الْمَوْت عنَّا أَلْفَ مَرَّة ، وَجَاوَزَت بِنَا بِحَار الْخَطر مِلْيُون مَرَّة ، وَلَكِن

ألحُزْنُ يُقْلِقُ وَالتَجَمُّلُ يَرْدَعُ
وَالدّمْعُ بَيْنَهُمَا عَصِيٌّ طَيِّعُ


‎تُوفِّيت الْآمَال وَانْحَلَّت الْعمَائِم
ونُكّست الْإِعْلَام وتصلبت الْخَنَاجِر
وبهتت الْوُجُوه ، لِأَن الرّجل الَّذي تُضْربُ إلَيْهِ الْأَكْبَاد وَتُشَدّ إلَيْه الرّحَالُ طلباً لِلسَّلَام ، آنَّ لَه أَن يترجل وَهو يَقبضُ عَلَى جَمرِ الأَحْقَاد بَيْن الْأشِقّاء ، وأزاميل الْموْت بيْن الدّول ، ونِصال الطَّائِفيّة بيْن الشُّعُوب ، ولكن تبقى سُنَّة اللَّهِ فَوْق كُل السُّنُون ، وَقَضَاؤُه فَوْقَ كُلِّ الْأَقْدَار . .
 
مَن للمَحافلِ وَالجَحافلِ وَالسُّرَى
فَقَدَتْ بفَقْدِكَ نَيِّراً لَا يَطْلُعُ


سَار ذَلك الْموْكب الْمَهِيب لجنازتك
ولكِن هذِه الْمرّة اِسْتَعْصَت قدماك عَلَى حمّلَك ، لِأَن حَشْرجة الدَّعَوَات الّتي تَفطَّرت لَها قُلوب الشَّعْب هي مِن كانت تحملك ، والدموع الّتي سآلْتَ مِن سواقي الْعُيون هي مِن كانَت تكلئك ، والْأَيَادي الْبَيضاءُ الّتي كُنتَ تَبْسُطْها هي منْ كَانتْ تلّوح لَك ، وَبَدأ بُرج الصحوة ، وَسوْق مطْرح ، وبوابة مسقط ، وَالْمَسْجِد الْجَامِع وكُل شبراً مِنْ عُمانَ يغور فِي عَيْنيْك وَيتَرَقب لَمْحَة مِن نَعَشك وأَنت تُسَافِر إِلَى نَعِيمك الْأَبدِيّ...
يا سيدي النَومُ بَعدَك نافِرٌ
وَاللَيلُ مُعْيٍ وَالكَواكِبُ ظُلَّعُ


آه لَو أستطِيع اِخْتزَال دموعكم في هَذِه الْكَلِمات ، أو أَنّ أربت عَلى مصابكم فِي هذِه السُّطُور ، ولكِن برغم منْ كُلِّ هَذا ، ستبقى حكمته تنبض فِينَا ، وسلامه  يتغلغل فِي أوصالنا ، وتسامحه يَشْرح صُدُورنَا....
وستبقى صوره الْمُعلَّقة على  الْجُدرَان نُور نَسْتَهْدِي بِه، وَيَبْقى خَبر رحيله يَسِيل كَالْجَمْرِ فِي عُرُوق أَجْسَادِنَا ، وَتَبْقَى تلّويحة يَده آخَر مَشْهَد نستحضره مَعه . . .
 
عَلَيْكَ سَلاَمُ اللَّهِ مِنِّا تَحِيَّةً
وَمِنْ كُلِّ غَيْثٍ صَادِقِ البَرْقِ وَ الرَّعْدِ

 

تعليق عبر الفيس بوك