خير سلطان لخير سلطان

خلفان الطوقي

ربما تكون الـ24 ساعة الأخيرة من عُمر عُماننا الغالية، هي من أصعب اللحظات في عمر عماننا الحديثة، فقد فارقها سلطان القلوب وسلطان السلام جلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور -طيب الله ثراه وغفر ذنبه ورزقه جنات الفردوس الأعلى- وتمَّ تشيع جنازته المهيبة من بيت البركة إلى مثواه الطاهر الأخير في مقبرة العائلة بولاية بوشر، تركنا مولانا السلطان وشعبه مؤمن بأنه لا راد لقضائه، واتَّجه المغفور له -بإذن الله- إلى جوار ربه ليكون بإذنه تعالى مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا.

رَحَل جسد السلطان قابوس الطاهر، لكنَّ أفعاله العظيمة باقية وخالدة؛ ففي الـ24 ساعة الماضية اجتمع مجلس العائلة، واتفقوا جميعا على تفويض مجلس الدفاع بفتح وقراءة من أسماه المغفور له بإذن الله السلطان قابوس بن سعيد، ليكون سلطانا لعمان للمرحلة المقبلة، بعد تنصيبه في مجلس عمان في توافق وهدوء، وفي نفس الـ24 ساعة الاستثنائية، وهذا يدل على الثقة الراسخة والكاملة لذرية السلطان تركي في حكمة مولانا المغفور له بأنه سيختار لها من يتَّسم بالحكمة الواسعة والنظرة الثاقبة والانفتاح مع العالم، بقلب محب وأيادي ممدودة للسلام والتعاون المبني على الاحترام المتبادل. وبعدها بسويعات أعلن مجلس الدفاع -بحضور مجلس العائلة- فتح رسالة مولانا -طيب الله ثراه- اسم حاكم عمان الجديد وهو السلطان هيثم بن طارق بن تيمور المعظم حفظه الله ورعاه، ليكون بذلك السلطان السادس عشر من أسرة البوسعيدي.

تركنا السلطان قابوس -غفر الله ذنبه- واقترح لأسرته الكريمة العريقة وشعبه الوفي الأبي سلطانا عظيما توافق عليه الجميع، يتسم بصفات ومواصفات تشبهه، بسلطان محب للسلام، وسياسي محنك متفتح، واقتصادي مخضرم، متجها بكل جوارحه إلى إكمال مسيرة دولة المؤسسات والقانون والعمران، ساعيا لإكمال مشوار التطور والنماء وخوض التحديات مهما كانت بحرفية ومهنية عالية، مستعينا بالله جل جلاله وشعبه المخلص وببطانة صالحة بإذن الله.

ودَّع الشعب العماني العظيم باني نهضة عمان الحديثة -طيب الله ثراه- بعد مسيرة العطاء غير المحدود والتضحية والإلهام والأبوة الفياضة، وكل المعاني الإنسانية الجميلة التي امتدت لـ50 عاما، لكن أفعاله العظيمة باقية خالدة في ذاكرة كل عماني وعمانية، وتوافق عائلته الكريمة وثقتهم به حتى بعد مماته كلها خير دليل على أنه اقترح قامة عظيمة تقود الأمة العمانية من بعده، أفنى السلطان قابوس عمره بلا أنانية أو تعظيم للذات؛ فقد منح كل شيء لوطنه وشعبه، لم يكن أبدا أنانيا في حياته أو مماته؛ فاختار رجلا حكيما نبيها مستمعا عادلا، وبتسميته انتقل الحكم بسلاسة وهدوء وتوافق بين الجميع، داعين الله لسلطاننا قابوس أن يغفر له الله جل جلاله ويثبته عند السؤال ويرزقه جنات الفردوس الأعلى، وستستمر دعواتنا ولن ننساك، فكما كنت وافيا ومحبا، سنكون نحن كذلك، فما جزاء الإحسان إلا الإحسان، وأن يلهم أهل عمان وكل محبيه من جميع أنحاء العالم الصبر والسلون، ويعين سلطاننا المفدى هيثم بن طارق بن تيمور -حفظه الله ورعاه- على حمل الأمانة العظيمة لعمان المجد والتاريخ والمستقبل، فامض ونحن معك على يمنيك ويسارك ومن خلفك، لا شقاق ولا فتن، فأنتم مولاي بدعم الله جل جلاله ووقوف شعبكم العظيم ستكون خير سلطان لخير سلطان.