متابعتنا للقاء الإعلامي للمركز الوطني للتشغيل

 

◄ حاولنا من خلال متابعتنا أن نرى فيها قوة انطلاقة اليوم الأول.. فاستصعبت علينا الرؤية

 

 

د. عبدالله باحجاج

هي مُتابعة من بُعد على الصعيد الجغرافي، وكذلك من بُعد من المنظور التفاعلي للقاء الإعلامي للمركز الوطني للتشغيل؛ لذلك سنجتهد في تحليل ما وَصَلنا عبر وسائل الاتصال الإعلامي والتواصل الاجتماعي عن المركز؛ من خلال ما تمَّ الكشف عنه في اللقاء الإعلامي مؤخرا؛ كوننا من الكُتَّاب المنشغلين بقضايا الشغل والتوظيف والتسريح، وكوننا نُرَاهن على المركز في إدارة هذه القضايا لنزع فتيلها، وإذا لم يفعل ذلك منذ أول يوم انطلاقته، فعلينا أن نطلق هواجسنا ومخاوفنا من نجاحاته اللاحقة.

فهل وصلنا من اللقاء الإعلامي للمركز الوطني للتشغيل من البشائر التي تحملنا على الرهان على الانطلاقة القوية التي أشرنا إليها في مقالنا السابق، المعنون بـ"الأول من يناير 2020". فملامح هذا اليوم تجعلنا نُصدِر أحكامًا كثيرة قطعية الدلالة؛ منها الحكم على قوة الإرادة والتصميم، ومنها الحكم على الوعي السياسي بإدارة قضية الباحثين عن عمل من خلال الحلول الاقتصادية وفي آجالها الزمنية المواتية، ومنها الحكم على الاعتداد بالعنصر الزمني الضاغط على مرحلتنا الوطنية، ومنها مدى ملاءمة خطط المركز مع طلعات الشباب في الحق في العمل.

حاولنا من خلال متابعتنا أن نرى فيها قوة انطلاقة اليوم الأول، فاستصعبت علينا الرؤية، وحاولنا أن نلتمَّس الانبهار بهذا اليوم كما عبرنا عنه في مقالنا المنشور يوم الإثنين بعنوان "الأول من يناير 2020"، فكان العكس، فسيغرق اليوم في طور التأسيس والهيكلة، وقد كلف بذلك فريق سيعمل على اعتماد هيكل تنظيمي للمركز، وكذلك وضع إجراءات توظيف رئيس تنفيذي للمركز، وقد أؤجل تعيينه حتى استكمال هذه الإجراءات.

فماذا كانت الجهود تعمل خلال فترة الإعلان عن المركز، أواخر فبراير الماضي وحتى الأول من يناير؟ توقعنا أن هذه المسائل المهمة قد أُنجزت وليس العكس، وهذا مؤشر لا يرتقي إلى مستوى الغاية السياسية من إقامة مركز وطني للتشغيل، ولا ينم عن الاعتداد بعنصر السرعة ودوره في نزع فتيل قضية الباحثين عن عمل، وهذا مؤشر كذلك لن يُخرجنا عن المربع الأول الذي تتحطم فوقه قضية الباحثين عن عمل، وهو ما يُمكن أن نطلق عليه المربع البيروقراطي الذي لم يتجاوز التضحية بالوقت وأعمال الفكر وعصفه في استكمال تلكم الإجراءات خلال تلكم الفترة لدواعي انطلاقة قوية ومبهرة للمركز منذ أول أيامه.

لكنَّه اهتمام فوقي وبرتوكولي له ساعات محددة وحاكمة له، وله رؤية نمطية في الغالب، في وقت ينبغي أن يكون الاهتمام متجاوزا للوقت، وشاغلا للفكر.. وهذا لن نجده عند النخب المؤسساتية التي اختبرناها في تجارب سابقة، وهى الغالبة والمسيطرة على المركز.

ومن يكون عنده هاجس الباحثين عن عمل مرتفعا، ومن لديه الوعي بتداعياتها السياسية، وأنها تشكل القضية الأولى، فلن يترك الفترة الماضية دون التحضير للانطلاقة الفعلية للمركز؛ فمثل هذه القضايا توقعنا أنها جاهزة الآن، وكذلك هيكلية المركز وخطط تنفيذية لمرئيات كل أطراف العلاقة، توقعنا أن يكون أول يوم من يناير مباشرة فعلية لتوظيف أعداد كبيرة من الباحثين في قطاعات أشرنا إليها في مقالنا السابق، وهى ما ينبغي أن تُشكل الخطة الفورية القابلة للتطبيق إذا ما أردنا إدارة قضية الباحثين عن عمل والمسرَّحين، ونزع فتيلها؛ فهناك فرص عمل معلنة وبالآلاف، وهناك إمكانية للإحلال.. يُفترض أن تكون لدى المركز خارطة بها، ويعمل عليها منذ اليوم الأول من انطلاقته.

الخطة الثانية متوسطة وطويلة الأجل، وقد أوضحها اللقاء الإعلامي، وقال إنها ستنتج فرص عمل من سبعة قطاعات إنتاجية وفق "رؤية 2040"، وهذا توجُّه صحيح، لكنه مُرتبط بالخطة الأولى العاجلة، التي يمكن تسميتها بالإدارة السياسية لقضية الباحثين عن عمل من منظور اقتصادي واقعي، ومن دونها، أي الخطة الفورية، فإنَّ أية تأخيرات في استحقاق الحق في العمل أو عدم بعث روح جديدة في سيكولوجيات الباحثين عن عمل منذ اليوم الأول من يناير، فإن ذلك سيفقد الرهان على المركز الوطني للتشغيل.

كما تمَّ إصباغ المركز بصبغة الدور التنسيقي بين الشركات والباحثين، ويتم تكريس هذه الصفة في عقليات المؤسسين والمؤطرين والمسيرين، وهذه مغالطة، وسوء فهم لأهداف المركز واختصاصاته، خاصة المادة الثالثة منها التي حدَّدتها في الأهداف التالية: "توجيه وإعداد وتشغيل الباحثين عن عمل واستقرارهم وإنشاء قاعدة بيانات عن القوى العاملة في السلطنة"؛ فكل هدف من تلك الأهداف تنتفي عنه صفة التنسيق المجردة، وتعطيه أدوار صناعة الفعل ومسؤولية الإلزام والالتزام بالغاية السياسية من إقامة المركز.

ولو تأمَّلنا ماهيات مجلس إدارة المركز، فسنجد أنها تمثل القطاعات الأساسية التي يعتمد عليها اقتصادنا الوطني، ينقصها تمثيل المجتمع في الإدارة وفي الفريق، ولسنا ندري لماذا هذا التغييب؟ وهذا التمثيل على مستويات القمة، يُفترض أن تعجل بتحقيق أهداف المركز سالفة الذكر، وإذا لم يتحقق فإنَّ العلة تكمُن هنا، وهذه قراءة تحليلية لما وَصَلَنا من اللقاء الإعلامي للمركز الوطني للتشغيل، ويظل الحكم النهائي غدا الثلاثاء الأول من يناير 2020، فهل انطلاقته ستكون قوية ومبهرة وتسحب فتيل الاستياء، أم ستغرق في آجال زمنية للتأسيس والهيكلة؟