الشيخ سليمان اللويهي.. حينما أفل قمر العلم

 

حمود الحاتمي

لا شيء يؤلم كالفقد، فكيف يكون الفقد إذا كان هو علم من أعلام القضاء والعلم والورع، وكيف لا يكون الحزن وهذا الموت قد غيب معه علما وفقها وقضاءً وقبل ذلك ورعا وحلما.

عصر الجمعة تداولت وسائل التواصل الاجتماعي وفاة العلامة القاضي الشيخ سليمان بن عبدالله بن خلفان اللويهي أحد أعلام القضاء في عمان وجهابذة العلم في الفقه واللغة العربية وأحكام الشرع وتلقى الناس الخبر بالحزن والدعاء.

علاقتي بالشيخ ترقى إلى علاقة ابن يلتمس علمًا من أبيه، ويلتمس فتوى في مسألة شرعية رغم أنّي لا تجمعني به علاقة نسب إلا أنّ الشيخ بتواضعه الجم جعل كل من حوله أبناءه الذي يوجههم ويرشدهم في دينهم. موجهًا وناصحًا بأسلوب تربوي راق يسري إلى القلوب قبل العقول.

لا يتخذ الشيخ مكانًا محددًا يذهب إليه الناس بل هو يذهب للناس ويجعل من سيارته ومن مصلاه في المسجد وبيته المستنير بالعلم في قرية المربأ من أعمال ولاية الرستاق ملتق لطالبي الفتوى والعلم والفقه.

المتأمل لسيرة الشيخ سليمان اللويهي أنه أتى من أسرة متواضعة في قرية العلاية بولاية الرستاق بدأ تعليمه في جامع العلاية، وقد قرأ الكتب الفقهية بدون معلم ومن حسن حظه كما يروى لي أنه وهو صغير كان يذهب كل صباح إلى سوق الرستاق فأخذه أحد طلبة العلم الذين كانوا يدرسون في جامع البياضة والذي يعد الجامعة التي تخرج منها العلماء حيث يدرس فيها طلبة العلم النابغين.

فولع بالعلم فأخذ ينهل منه وقد حفظ القرآن وهو ابن الخامسة والعشرين وأخذ يدرس من أمهات الكتب على يدي مشايخه ومنهم الشيخ سليمان بن مهنا السالمي والشيخ سيف بن نبهان البراشدي الذي لا زال على قيد الحياة والشيخ سالم بن سيف اللمكي والذي كان معلمًا للخط.

ويقول الشيخ عن نفسه في مقابلة أجراها معه الصحفي سيف الفضيلي نشرت بجريدة عمان في الثالث من يونيو 2017 "أنّه درسنا أولا أبواب الفقه "تلقين الصبيان" ثم أخذنا نقرأ في "الجوهر" في الجانب الفقهي ثم أيضا في جانب النحو "ملحة الإعراب" عن الحريري ثم "الألفية" لابن مالك في النحو، كذلك الميراث تعلمناه مع الشيخ سيف بن نبهان والشيخ سليمان بن مهنا وهما متخصصان في الميراث والفقه، أخذنا شيئا لا بأس به في جانب التفسير للقرآن، وفي تفسير الحديث حفظت مسند الإمام الربيع بأكمله، وكذلك جملة أحاديث أخرى من مسانيد أخرى، ومما منّ الله تعالى به عليّ أن حفظت متونا بينها متن الألفية حيث حفظت كثيرًا منها وكذلك من ملحة الإعراب وكذلك في العقيدة غاية المراد وبهجة الأنوار للشيخ السالمي". (انتهى الاقتباس).

ويضيف الشسخ سليمان اللويهي أن تعلم القضاء على يد فضيلة الشيخ عيد بن خلف الخروصي رحمة الله عليه في عام 1975؛ حيث كان في الرستاق وكنت أحضر عنده وأقرأ في الفقه وأيضا في مسائل الأحكام. ولا ينس الشيخ سليمان أهل الفضل من القضاة الذين أخذ منهم القضاء ومنهم الشيخ عبدالله بن الإمام الخروصي الذي كان يسكن بجواره وكانا يتذاكران مسائل متنوعة، وبقية الأشياخ كالشيخ مهنا بن شامس والشيخ ناصر بن راشد المنذري والذي ظل ملازمًا لهم. واشتغل شيخنا الجليل بالقضاء بعد أن رأى فيه كبار قضاة عصره فيه حدة الذكاء والبصيرة والحفظ ولمع في العلم وفاق من معه حيث تدرج في القضاء حتى عين عام 1987 في محكمة الاستئناف وعام 2001 من أوائل القضاة الذين عينوا بالمحكمة العليا.

كانت حياة الشيخ سليمان عامرة العلم وكان مجلسه مساء كل خميس عامر بجلاس من يطلبون العلم ويستزيدون منهم ولعل الشيخ سعيد النيري العابد الزاهد والأستاذ سعيد بن مطر المسقري والإخوان هلال ومبارك أبناء زاهر بن علي الخياري وغيرهم ممن يتدارس معهم صنوف العلوم وتمحض عن ذلك مؤلفات منها كتاب النفائس وفي أربعة أجزاء ورسائل في الحجاب وكتاب "شرح لتائية الالبيري وإعرابها" وكتاب "سؤال تلميذ وجواب أستاذ" وكتاب "أحكام الأضحية" ورسالة في "الذكر والدعاء"، إلى جانب مؤلفات أخرى تحتاج إلى من يبحث فيها.

إنّ سيرة الشيخ سليمان بن عبدالله اللويهي وشخصيته يجب أن تدرس درسة علمية موضوعية حتى تكون مرجعًا للطلبة.. رحم الله الشيخ سليمان رحل جسًدا وبقي روحًا في قلوبنا وعلما في الكتب تنهل منه الأجيال القادمة.