صديقي البعيد

 

د. أسامة الحاوي | مصر

 

"في عامي الثاني بعد الثلاثين.. أشعر بأني أقف على تلٍ وأنظر بعين تشعر أكثر مما ترى.. أحمدُ الله على نعمه بمنبتٍ حسنٍ وبذور طيبة وسلفٍ أفخر بالانتماء له دون كبرٍ ولا اغترار.. لا أدّعي أني رأيتُ أهوالًا في الطريق.. لكنها أيام كان منها الصعبُ حتى عن الحكاية عنه وكان منها الجميل حتى البكاء فرحًا ورغبة في الغناء حتى يسمع ترانيمي أهل الأرض والسماء.. بعض المحطات لا تُنسى ..كما القلوب والأرواح ..أكثرها خيرية وشرورًا.. يلازمني منها: شعور الجثو على ركب القلب يومًا.. معلنًا الاستسلام التامّ.. ورفع الراية البيضاء.. للحياة ربما في معنى آخر تمام الرضا بالقدر.. وربما هي نفس اللحظة الدقيقة التي كالمخاض إما أن تُولد من جديد أو يغمرك اليأس فتسعى للموت.. وقد علمتُ أن ما تسعى له.. يأتيكَ !

كانت لحظة ميلاد وعدم في آن واحد.. تحمل كل المعاني وأيضًا كامل الفراغ.. وحي الكلمة وظلمة الجهل نشوة المعرفة والنجاح وانهزامية الفشل .. تغيرت نكهة الحياة بعدها ..وذائقتي للناس والمواقف والأشياء ..

الآن..أشعر بالامتنان الجمّ.. للعثرات قبل النجاحات .. للعام الذي كُتب لي فيه "راسب" أكثر من الذي كتب لي فيه "جيد" أو "ممتاز" للذين اختلفوا وأبقوا على الودّ أكثر من الذين اقتربوا وتشابهوا ظاهرًا.. للذين حفظوا لي صورة بهيّة رغم نزعاتي للطين وطول مكوثي في منعطفات قاتمة لا تليق .. ممتن جدًا لنفسي التي لا تزال توّاقة لمزيد من التجارب دون خوف كسابق ولا قلق لغد.. وممتن جدًا لمن يربطني بهم رحم الكتابة وصلة القلم ..وإن لم نلتقِ يومًا ما..

ولصديقي البعيد.. الذي كان كريمًا في قربه.. جوّادًا في بُعده.. وصمته علّمني كيف أخلق المعنى وأحب الرسائل.. وأحكي حتى بصمت..! وكما قال الأديب البارع أ . محمود توفيق ما معناه: أتمنى أن أستمر هكذا حتى ينتهي أجلي وأنا إما واقفًا أكافح محتسبًا أو واضعًا يدي على ركبي للنهوض ومواصلة المسير الحمد لله رب العالمين".

تعليق عبر الفيس بوك