السندباد، والأطفال والرؤية..

 

 

 

بثينة عبدالله الفوري

 

لم أكن أتوقع يومًا، أن أمسك قصة ما وأقرأ لطفل صغير..

لم أكن أتوقع يومًا أن أقرأ لأكثر من طفل، ثلاثة، أربعة، عشرين، ثلاثين، خمسين في وقت واحد....

لم أكن أتوقع أن يقول لي أحدهم أستاذة، بعد أن فقدت الأمل في ذلك سابقًا ومنذ دخولي للكلية في تخصص الصحافة، فقدت الأمل كلّه لأنه بعيد عن التدريس وبعيد عن الجلوس مع الصغار والحديث معهم .. شيئاً فشيئاً زاد عشقي للصحافة وبدأت أمارس الكتابة فأجريت قرابة 30 حوارًا صحفيًا مع موهوبين ونشرتها في جريدة الرؤية.. كانت جريدة الرؤية حينها المكان الوحيد الذي أنظر إليه بعين كلها أمل ونظرة كلها إشراق.

مرت سنوات، سنتان تقريبًا، ثم شاء القدر أن التقي بمكتبة السندباد المُتنقلة للأطفال في الكلية التي أدرس فيها (كلية العلوم التطبيقية بصور) وكان ذلك في سنتي الأخيرة في 2014، حينها تطوعت للقراءة لأطفال الولاية، كان هنالك آن بوجي،إحدى القائمين على المُبادرة ومعها المُكرم حاتم الطائي والمصور راشد الكندي.

حينها لمعت في ذهني فكرة أن أعمل في جريدة الرؤية ربما سأستطيع التقرب من الصغار من خلالها، أو أن أعمل صحفية على الأقل، تخرجت وذهبت للجريدة بروح مُتحمسة ومتوقدة للعمل، لم يكن حينها المجال شاغرا للعمل كصحفية ولكن كانت هناك فرصة لأجرب العمل في مكتبة السندباد المتنقلة.

جربت العمل مع آن بوجي-بريطانية الجنسية- تعلمت منها أشياء كثيرة منها احترام الوقت، التنظيم، التنسيق وحتى قراءة القصص للصغار كانت معلمتي الأولى..كنَّا نذهب معاً لمناطق بعيدة جدًا ونائية بباص المكتبة المتنقلة، كم من المواقف التي حدثت لنا معاً ضحكنا وبكينا وتعلمنا..

 

ثم جاء الوقت لأمسك المكتبة بإشرافها وصارت المسؤولية أكبر .. بعدها كبر عندي كل شيء، الحلم لأصل مع مكتبة السندباد لأكبر عدد ممكن من الأطفال، أن أضع في ذهن وقلب كل طفل أصادفه بصمة، أن أبقى عالقة في ذهنهم لسنوات بعيدة. أريد بعد عمر طويل أن يراني أحد الأطفال وهو خريج في المدرسة يسلم عليَّ ويذكرني بأني قرأت له قصة من قصص السندباد في يوم من الأيام ... أريد أن يناديني أحدهم من بعيد ويقول لي كنتِ قد قلت لي إنني سأحقق حلمي وفعلاً حققته، أريد أن يناديني أحدهم أستاذة لقد تغيرت فيني أشياء كثيرة بسببك أريد والله أريد أن أرى كل ذلك في حياتي.

مع مكتبة السندباد المتنقلة للأطفال وهي إحدى مبادرات جريدة الرؤية رائدة إعلام المبادرات التي كبرت اليوم 10 سنوات، تعلمت أنَّ الصبر مفتاح المُواصلة وألا نور بلا ظلام ولا تعلم بدون بحث وتأنٍ واستمرار. تعلمت كيف يمكن أن أغرس فكرة ما لأحدهم، أن أساهم ولو بشيء بسيط أو أن أغير سلوكاً من خلال كلمة أو من خلال عبارة في قصة.

 

تعلمت أن البداية والخطوة هي كل شيء .. هذا ما تعلمته من آن بوجي ومن المكرم حاتم الطائي الذي كلما قابلني ذكرني بأنَّ ما فعلته الآن كبير لكن نريد الأكبر ونريد أن نصل لطفل آخر ولمنطقة أخرى ولقرية نائية أخرى..

شكرًا جريدة الرؤية على هذه المبادرة التنويرية الرائعة التي صنعتني، وقومتني وعلمتني ونورتني بما لم أكن أعرفه ومازلت أتعلم وشكراً لمن ساعدني ومسك بيدي وقال لي تستطيعين، وشكرًا لمخيم الرؤية الصيفي الذي أكسبني أصدقاء كُثر من الأطفال تعلمت منهم كيف بإمكان المرء أن يكسب الآخر من خلال كلمة أو من خلال التعامل، علمني أطفال المخيم أن أدير، أن أتحدث، أن أناقش أن أحقق أن أحاور أن أحبّ وهو باعتقادي المحرك فبدون حب لا نستطيع مواصلة أي شيء.

في النهاية، مبارك لنا ولكل محب للرؤية ولكل منتسبيها، وكل عام ورؤيتنا بِخير.

 

تعليق عبر الفيس بوك