سالم نجيم البادي
يُلازمني سوء الطالع هذا العام من الصينية العودة لمضرب العطر، والمضرب لمن لا يعرفه هو قنينة العطر الصغيرة، والحكايات تبدأ حين تلقيت رسالة باسمي شخصيا عبر بريد عملي، وفي الثواني الأخيرة من نهاية الدوام، قبل يوم التكريم، عليَّ السمع والطاعة إنها جهة عملي العزيزة والغالية، عهدتْ إلى سائق حافلة المدرسة إيصال أطفالي إلى مدرستهم، وكانوا يرفضون الذهاب معه لحضوره المبكر جدا.
لماذا؟ ببساطة لأنه مرتبط بعمل آخر في نفس الصباح والوقت.
والشارع الذي يُؤدي إلى المدرسة غير مُعبَّد.. ضربت أكباد إبلي مسافة 220 كيلومترا ذهاباً واياباً، والموعد الساعة الثامنة صباحاً بالتمام والكمال، هكذا تقول الرسالة، وأنا أكره الوصول متأخرا، وقد وصلت قبل الثامنة، لكنَّ الحفل لم يبدأ قبل التاسعة حتى اكتمل وصول الضيوف.
التفت إليَّ الرجل الجالس إلى يميني متذمراً، وقال: هذه مواعيد العرب، وهدد -ولم يكن جاداً بطبيعة الحال- إذا لم يحضروا بعد عشر دقائق سوف أتركهم وأنصرف، أما أنا سوف أنتظر حتى لو يوماً كاملا، فلا يُعقل أن أعود بخفي حنين بعد أن قطعت 220 كيلو وتلك "الغبشة الكبيرة".
اكتمل الحشد، وسارت الأمور كما هي دوما، فقرة ترحيبية، رقصات أطفال يلبسون ملابس موحدة ولا تناسق بين الرقص والموسيقى ولا تناغم.
حشرجة في مكبرات الصوت، وارتفاع الصوت حتى يكاد يُفجِّر طبلة الأذن، وينخفض أحيانا ولا نسمع شيئا، مع حيرة أولئك الأطفال الذين تم تدريبهم على عجلة على ما يبدو.
حسنًا كل ذلك هفوات لا تُذكر، الأمور طيبة (وما حد غريب)، بدأت الكلمات التقليدية من هذه الجهة وتلك، همس الرجل الجالس عن يساري وقد بدا أنه متأثر كثيرا بمسرحية عادل إمام "شاهد ماشافش حاجة": (يا راجل دا أنا غلبان ومسكين مش أد الكلام الكبير ده)، تم التكريم.. توافد المكرمون وهم كُثر كبارا وصغارا، شنط عطر وشهادات تقدير، الصغير له شنطة صغيرة، والكبير له شنطة كبيرة، شنط تفوح عطرا من عبدالصمد القرشي، الاسم الرائد في عالم العطور، وقد صادف ذلك هوى في نفسي، وأنا الزبون الدائم لهم: في الصيف أشتري المسك، وفي الشتاء دهن العود، وهي العطور المفضلة لدي.
ونظري لا يُغادر الشنط المتراقصة أمامي، وقمت أمنِّي نفسي بالمسك والعود، وأحدثها كيف سأتصرف في العطر الهدية، واقترحت أسماء وأشخاصا في بالي، لكن استقرَّ رأيي على أم العيال، أعرف غيرتها الشديدة، وأخشى التحقيقات التي لا تنتهي.
طال صبري وانتظاري، وحين جاء دوري ودور ثلة قليلة مثلي، كان نصيبنا شهادة تقدير يتيمة لا يسند ظهرها شنطة عطر كما تمنيت، وقد ضجت القاعة بالتعليقات: "ليش هذيلا ما عطوهم عطر مثل الآخرين"، كان هذا السؤال غير مبرر؛ لأن أداءنا في العمل الذي نُكرَّم عليه كان يستحق فقط شهادة تقدير، قمت بالاحتجاج ليس لأنني على حق، ولكنني البدوي المشاكس، وقلت لمن ظننت أنه مُقرَّب من القائمين على الحفل: "استغليتوا علينا مضرب عطر!!!".
وأيقنت أنَّ لساني متبرئ مني، وكذلك قلمي، ولا حل غير أن أكسر قلمي وأغلق هاتفي وألزم بيتي.