بيننا شياطين..!

أنسية الهوتية

قضية من القضايا الاجتماعية التي تستحق أن تُكتب للتوعية، إلا أنَّها ولحساسيتها الشديدة تُستبعد احتراماً للقارئ، وتفادياً للانتقاد أو الاتهام بتشويه ملامح المجتمع العربي المسلم.. وبين خشية الكاتب، وردة فعل القارئ، يجلس المجرم باطمئنان؛ لعلمه بأنَّ طاقية الإخفاء لا تزال على رأسه.

ليس فقط الطاقية، بل الوشاح والعباءة وحتى العصى السحرية التي يستطيع أن يُغيِّر بها أقوال الضحية بتلويحة واحدة إما تهديداً أو ابتزازا، أو أنَّ الضحية بنفسه يختار الصمت حياءً، ويدفن سره معه، خاصة إن كان المجرم من الأقارب والأهل، لامعاً كقطعة ذهب بينهم، وهو ليس سوى حديد صدئ نتن يصبغ نفسه بـاللون الأصفر.

قضيتنا هي التحرش.. الجريمة المتكررة مرة من عامل نظافة في مدرسة، مرة من المربية وعاملة المنزل، مرة من سائق خاص، ومرة من البقالة، ومرة من المقهى، وحين وقوعها تستفز وسائل التواصل الاجتماعي ويستيقظ أولياء الأمور من غفلتهم؛ فتتم المطالبة بتأديب المجرمين قضائيًّا، وبعد القصاص ينسون مرة أخرى أن الوقاية خير من العلاج، وأن علينا أن نُوعي أبناءنا ونمنعهم من الاقتراب من الغرباء مهما قدموا لهم من المغريات.

ولكن ماذا إذا حصل هذا التحرش في المحيط الأسري؟ كل ذلك الضجيج والمطالبة بالقصاص سيتحول إلى صمت مجحف، وإن حاول الضحية أن يتحدَّث فإنَّ حديثه سيتحول إلى حرب وتراشق، ثم يتمحور إلى شقاق أبدي بين الأرحام والأقارب، هذا إذا لم يصل الأمر إلى القتل للانتقام! فالجرائم كحلقات السلاسل تقود إحداها للأخرى.

وإذا كانت الضحية أنثى بالغة، فإنَّ المبررين سيكررون المقولة الدائمة في القضايا المتشابهة: "كان يطيب لها الأمر لأجل ذلك لم ترفض ولم تتكلم سابقاً"، وأيضا: "لم تكن تلبس ملابس ساترة مما تسبب بإخراج ذلك الوحش البشري"!! أعذار قبيحة كألسنتهم وللأسف يتفاعل المستمعون. ونعلم أنَّ المرأة أصبحت أضعف من أن تدافع عن نفسها في مثل تلك المواقف، وتبقى في نظر المجتمع هي أداة الجريمة وإن كانت هي الضحية، ولكن ماذا عن الضحايا الأطفال والصبيان؟ وهذه الوحوش البشرية والمرضى النفسيين في تزايد مستمر بسبب التستر عليهم ويزداد عدد الضحايا معهم وصولاً إلى الأطفال الأبرياء.

ولا نعلم الحالة النفسية لذلك الطفل الذي يعيش في تلك البيئة منعدمة الأمان! كيف ستكون شخصيته عندما يكبر؟ هل سيتحول إلى وحش مثلهم، أم يصيبه التوحد والانعزال، أم سيبقى بشخصية مهزوزة أمام الجميع، أم يميل إلى الشذوذ؟ كل هذه التوقعات وغيرها الأسوأ مما سيؤدي لإنهاض مستقبل باهت لهؤلاء الأطفال الذين هم جزء من المجتمع.

إنَّ بيننا شياطين في هيئة بشر، يجب أن ننتبه لهم، وبين كل عشرين حادثا يتحول اثنان إلى القضاء ويصمت الباقون، معالجين الأمر من وجهة نظرهم بالابتعاد، إلا أنَّ الشيطان البشري يبقى طليقا ويتنقل من ضحية إلى ضحية دون علم أحد.

على أفراد المجتمع التكاتف معاً لمكافحة هذه الجريمة الشنعاء في حق أبنائنا للحفاظ على سلامتهم وسلامة عقلياتهم ونفسياتهم ومستقبلهم، وعلى كل ولي أمر أن ينتبه لأبنائه حين يكرهون وحين يرغبون بشدة في مكان أو شخص، ومتابعة الوضع بحكمة وإزالة الثقة العمياء.

وعلينا التركيز والاستماع إلى أبنائنا الصغار يوميا، فإننا سنعلم الخفايا من بين كلماتهم وحركاتهم.