قبل أن يُغرق طوفان العنف العاصمتين

غسان الشهابي **

في كلٍ من العراق ولبنان حراك شعبي مدني يرفض الوصايات وما جرت به السنون من ظلم وجور وتكسّب وفساد بات يستشري في نهم لا سابق له لأنه ضمن أن لا أحد يحاسبه، وما دام الحسيب غائباً فمن المرشح، بل ومن الطبيعي جداً أن تنزلق جماعات وجماعات في الاغتراف من الأموال العامة، حتى يبقى نظفاء الأيدي غرباء في أوطانهم.

الانتفاضتان الخريفيتان في البلدين معرضتان اليوم للمزيد من الإشكالات، إضافة إلى الأوضاع الاقتصادية التي باتت تتردى أكثر وأكثر منذ انطلاقهما، إذ التحدي الأكبر أمامهما هو الانزلاق إلى العنف ودوامته المجنونة التي لا تعود – بعد أن تدور – تعرف متى تتوقف، وتستطيع كسر كل العصيّ التي توضع في دواليبها من أجل إيقافها.

في لبنان هناك مخاوف حقيقية من نفاد صبر المُتظاهرين والمعتصمين السلميين تجاه قوى حزبية تهاجمهم في ساحات الاعتصام بتسهيل من القوى الأمنية لمُحاولة فك هذه الاعتصامات، ومشاركة القوى الأمنية في أحيان أخرى في هذه المهمة.

وفي العراق، فإنَّ قتل شاب يافع وتعليقه بالطريقة البشعة واللا إنسانية، وبغضّ النظر عمّن قام بها في معرض تبادل الاتهامات، كفيل بأن يقدح في الحراك الشعبي الذي يدخل شهره الثالث.

في كلا البلدين هناك تربّص بالحالة السلمية "العامة" التي لا تزال هي العنوان الأعرض لهما، ولكن هذه "اليافطة" من الهشاشة بمكان ليجري تمزيقها بالمزيد من المكائد والتوريط والتحريش حتى يجري اتخاذ الإجراءات الأكثر صرامة، أي الأكثر عنفاً وقسوة من أجل فتح الساحات والطرقات وعودة الناس إلى بيوتهم ومن ثم إلى أعمالهم، وتنتظم الحياة وكأنّ شيئاً لم يكن.

إنَّ هذا الحل الأمني والعسكري هو أسهل الحلول وأسرعها، وعلى الرغم من الكلفة العالية التي قد تتمثل في وقوع الضحايا وخصوصاً من جانب المتظاهرين، ففي الأعراف والعقليات السلطوية العتيقة، تعدّ الحلول الأمنية هي السبيل لبسط "الأمن"، ومن بعده يجري بحث ما يُمكن بحثه.

إلا أنَّ المنتصر (السلطة) لن يرغب حينها في الحوار مع الشعب، ولن يتم إلا بحث إمكانية عدم تكرار ما حدث من قبل الجماهير، وتعزيز القوى الأمنية، وزيادة أجهزتها ودعم تجهيزاتها، ومضاعفة الرقابة الأمنية على أفكارهم وتحركاتهم. أما الناس – وإن عادوا إلى بيوتهم وأعمالهم – فإنهم سيتحولون إلى كائنات منزوعة الأرواح، تهيم على وجوهها، تتحسس أماكن انكساراتها، وتنتظر فُرجة للهجرة إلى حيث يمكنها استشعار آدميتها.

لا تزال لدى السلطات في البلدين فسحة من الوقت لمنع التدحرج المُخيف إلى ما هو أسوأ من مجرد اعتصامات، فلقد مرّ وقت الصدمة، وأتى وقت اللجوء إلى الحلول.

** كاتب بحريني