د. ريم سليمان الخش| باريس
الشاعر:
يغرّقني وقتي بلجّة غربتي
وياليتني أحظى بعقلٍ مفرمتِ
//
وياليتنا جمعا نعودُ بلا أسى
صفائحنا البيضاء رهن المسرّة
//
تخيّل بأنّ الدهرَ طهّرَ حِسّنا !!
خفافا بلا شكوى وخوفٍ وغمّةِ
//
على ضفة الحب الدفوق جرارنا
وأنظارنا تحكي بدون طويّةِ
//
طيورٌ على عشّ الوئام تجمّعت
تغرّد من وقع الضياء المصلّتِ
//
تصوّر رعاك الله عمق نعيمنا
وقد رُدّت الأرواح طيرا بروضةِ
//
ولكنّه أمرٌ محالٌ وقوعه
فطورا على ضوءٍ يشعّ وعتمةِ
//
يُقلّبنا عقلٌ تقلّبَ دهرنا
فلسنا جماداتٍ بكنّهٍ مثبّتِ
//
فما كلّ ماأقررت يوما بصائبٍ
وما كلّ ما أقصيت يبقى بعزلةِ
//
فقد تطرقُ النفس الكشوفُ عوالما
بعكس التي رامت قُبيلَ سويعة
//
وقد ترعوي عن حقل ضوءٍ مؤطّرٍ
لترمى بدهليزٍ يموج بظلمة
//
إذا احترب الضدان عمقا بقوةٍ
تذكّر بأن العدل روح الشريعة
//
وأنّك إنْ تقضي بعيدا عن الهوى
تعش وقتك الأرضي حرا برفعة
***
القرين:
وماذا إذا صار الذي رُمت أمره؟
وكلّ غدا فعلا نقيّ السريرة!!
//
وصرنا إلى بدء الحياة جداولا
عليها انعكاس البدر وجه الحقيقة
//
أنختزن النشوى تسابيح عابدٍ
يظلّ على وصلٍ كحبّات سُبّحة
//
أيمهرنا الكون البهيّ بلونه
جمالا وتحنانا ودفءَ فضيلةِ
//
أليست لغات الذات إنسٌ ورحمة ؟
جُبلنا على نور السلام بفطرة
***
الشاعر:
ستجري وحوش النفس إثرَ مصيدة
على قنصها تنوي بعنفٍ وحيلةِ
//
ويتبع قابيل الشقيّ مجونه
ليقصى غريمٌ دون درسٍ وعبرة
//
يظلّ على جمر الحشايا مقلّبا
إلى أن يصيد الظبيّ حال استمالتِ
//
صريعا حبال القنص نجما غوايةٍ
يشعان في لقياه شعّ الأهلّةِ
//
فشدّا ومالا واستدارا وعُلّقا
على درب أفلاكٍ بيومِ الدجنّةِ
//
سجينان هذا الجوّ غيمٌ مكثّفٌ
أصابع من رعدٍ وبرقٍ ورعشةِ
//
وعشقٌ به الأكوان خرّت بهزّةٍ
وأوديةٌ ماجت وأخرى اقشعرّتِ
//
حرائقُ مازالت تُسعّر أرضهم
ليصلى بها وحش النفوس بقسوةِ
//
على أنّ أنهار الوصال دفوقة
يبرّدهم فيها انسيابٌ بمتعةِ
//
عروقٌ بها الأشواق بالدمّ ترتوي
وهابيل من فيه المُضحى بنزوةِ
//
ولابدّ في عرف الغرام من الأذى
ولابدّ أن ينأى الغريم بقوّةِ
//
ضبابٌ على عشبٍ تنهنه نسغه
خليطا على طينٍ وماءٍ ونشوةِ
//
إذا شقّها ومضٌ وهزّته عاصفٌ
أقاما على تهطال غيمٍ سخيّةِ
//
رعودٌ وإحراقٌ وطقسٌ مزمجرٌ
وصوتٌ كما دكُ القلاع المنيعةِ
//
وماكان تنزاف الذوات مشرّعا
سوى أنّه الإدمان حقنٌ بجرعةِ
//
سوى أنّه طقس الطقوس ومعبدٌ
وجوعٌ بلا حدٍّ بكامل شهوةِ
//
عواءٌ على بدرين زادا تكوّرا
يُشقُ به دربٌ لأقصى المجرّةِ
***
القرين:
ولكنّها أصوات وحشٍ مجلجلٍ
وقد نابه محوٌ بكلّ الشريحةِ
***
الشاعر:
ألم تدرِ أنّ النظق في البدء قبلةٌ
تذوقت الحرف الشهيّ بلذّةِ
//
تأولّت المعنى فباحت تنهدا
بما شعرّت بين اللسان وشفّةِ
//
تعلّمت النطق السريع بلسمةٍ
وحسٍّ به جريُ الحروف الندّيةِ
//
وأولُ من قال القصائد بلبلٌ
تغنّى بأزهار التلال البهيّةِ
//
وأول ألحان الكمان به اقتدت
شغوفا على ألحان نايٍ شجيّةِ
//
ستنكسرُ الكأس الشغوف فجاءةً
لتترك من هاموا بلحظة ريبةِ
//
كأنّ الكؤوس العاشقات بهم وشت
وقد شُرّب المثوى بخمرٍ عتيقةِ
//
يقومان من بعد انعتاقٍ ليهرعا
برعبٍ إلى أوراق توتٍ ظليلةِ
//
يهمّان في نزع الشكوك بسترةٍ
يخافان من قذفٍ بأقسى فضيحةِ
//
قتيلان لم يُلقَ الرداء عليهما
بجنحة إغواءٍ وإدمان جرعة !!
***
القرين:
أليس انجذاب المرء للجنس فطرّة؟
علام به يُلقى بنارٍ حرورة؟
***
الشاعر:
تخيّل بأنّ الحبّ كالنهر جَريه
حلالٌ لمن يرجوه دون أذيّةِ
//
ستغرقُ في طين الرذيلة صاغرا
وتطفو بلا وجهٍ بغيرِ هويّةِ
//
فلا زارعٌ يعنى بتربة زرعه
ولا طفرةٌ تُرجى بأمشاج تربةِ
//
تَدنٍّ فلا يَلقى النبوغ بزوغه
بنشأة (كروسوماتَ) دون السويّةِ
//
هو الشرع قبطان السفين ومنقذٌ
يُنجي من الطوفان إمّا استقامتِ
***
القرين:
ولكنّ مايؤذي من العشق هيّنٌ
أمام الذي أفنى نفوس البريّة!!
//
إذا سُعّرت حربٌ وزحزح ثقلنا
فمن شهوة كبرى لعرشٍ وسلطة!!
//
وحوشٌ على أشلاء مُلْكٍ تهافتت
وأخلاقهم نتنٌ كريحٍ بجيفةِ
//
كتائب دون الوعي للبغض ديدنٌ
لكلّ بذاك الدرب شيخُ طريقة
//
ألم يسفكوا فحوى الجمال بحربهم؟
ألم يذبحوا عرق الحياة البريئة؟
***
الشاعر:
ترقّب وذاك الحال غضبةَ جارفٍ
ليُمحى بلا نوحٍ ضلالُ البسيطة!!
.........
هوامش:
- الكنه = الماهية
- الإنسان وجود لذاته، والأشياء وجود في ذاتها، والفرق جوهري (انظرْ سارتر).
- أثبت علم الوراثة أن تزاوج الأقارب يضعف النسل البشري ويعود ذلك بالطبع إلى تلف الكروسومات المتشابهة.