التخطيط السليم واستقدام مدرب طموح.. كلمة السر

كيف قادت الإدارة الفنية الجيدة البحرين لتمزيق صفحات التاريخ المؤلم في "كأس الخليج"؟

...
...
...

الرؤية - أحمد السلماني

حقَّقتْ البحرين ما كانت تحلُم به قبل ما يقارب نصف القرن من الزمان، عندما انطلقت شرارة كأس الخليج في العاصمة البحرينية المنامة، مُعلنة ميلاد بطولة هدفها الأسمى توحيد شعوب المنطقة، ومن ثم تطوير كرة القدم والبنية التحتية الرياضية للدول المطلة على الخليج العربي، وهو ما تحقَّق فعلا بعد أن أسهمت كأس الخليج في تقارب شعوب المنطقة، ويقال إنها أحد أسباب قيام مجلس التعاون الخليجي الذي انبثق منه العمل الخليجي الموحد في شتى مجالات التعاون.

انطلقتْ البطولة عام 1970م بمشاركة 4 منتخبات؛ هي: البحرين (المستضيفة) والسعودية والكويت وقطر، وبعد ذلك بعامين، وفي النسخة الثانية، شكلت دولة الإمارات العربية المتحدة الضلع الخامس، وجاءت النسخة الثالثة لترسم الشكل السداسي بضلعه العماني، ثم حملت النسخة الرابعة في قطر مشاركة العراق، إلى أن حملت النسخة الـ17 عودة العراق للمشاركة بعد فترة انقطاع طويلة، وأيضا مشاركة المنتخب اليمني.

والتزمت المنتخبات الخليجية بإقامة البطولة كل عامين واستمرارها كان ولا يزال بسبب إرثها التاريخي وأهميتها لدى الشعوب والقيادات الخليجية، إلى أن أسدل الستار مساء الأحد الماضي عن النسخة الرابعة والعشرين التي نظمتها دولة قطر، وهي البطولة التي شهدت الكثير من الأحداث المفصلية؛ وأهمها: عدول 3 دول عن قرار مقاطعة البطولة؛ وهي: السعودية والإمارات والبحرين، قبل انطلاقها بأقل من أسبوعين.

وفاز المنتخب البحريني لكرة القدم بكأس الخليج لكرة القدم "خليجي 24"، على نظيره السعودي 1-صفر، على استاد عبدالله بن خليفة بنادي الدحيل في العاصمة القطرية الدوحة؛ بهدف وحيد سجله محمد الرميحي في الدقيقة 69 من المباراة التي فرطت خلالها السعودية بفرصة التقدم بعد إهدارها ركلة جزاء في الشوط الأول عبر سلمان الفرج في الدقيقة 12 من عمر المباراة.

اللقب هو الأول لـ"الأحمر" البحريني في البطولة التي انطلقت على أرضه في العام 1970، بينما فشل "الأخضر" السعودي في إضافة لقبة الخليجي الرابع بعد 1994، 2002، و2003، وهي المرة الأولى التي تلتقي فيها البحرين والسعودية في نهائي البطولة الخليجية التي تحظى بشعبية واسعة في منطقة الخليج العربي.

 

كيف فازت البحرين باللقب؟

تمتلك الإدارة الكروية بالبحرين حسًّا عاليا جدا، وخبرة تراكمية عريقة في اختيار الأطقم الفنية لمنتخباتها، ودائما ما تستقطب المدربين المغمورين الذين لديهم طموح الفوز وحصد اللأقاب لصناعة سيرة ذاتية قوية، وبالنسبة لهم فإن كأس الخليج هي بوابة المدربين الأجانب نحو المجد والثراء، وفي مارس الماضي جلبت البحرين البرتغالي هيل سوزا، واسمه الحقيقي يليو فيليبي دياز دي سوزا من مواليد مدينة سيتوبال البرتغالية عام 1969 (50 عامًا).

قاد سوزا منتخب البحرين للفوز ببطولة غرب آسيا 2019، كما يقود منتخب البحرين بتألق في تصفيات كأس العالم عن قارة آسيا، بدأ هيليو سوزا مسيرته مع عالم كرة القدم كلاعب وسط، بنادي فيتوريا سيتوبال كما لعب لمنتخبات البرتغال السنية المختلفة.

وبدأ مسيرته التدريبية كمدير فني لفيتوريا سيتوبال، ثم درب نادي كوفاليا البرتغالي، ومن 2010 حتى 2019 شغل منصب المدير الفني لمنتخب البرتغال للشباب، وفي 2016 قاد منتخب البرتغال تحت 17 سنة للفوز ببطولة أوروبا، وفي 2018 قاد منتخب البرتغال تحت 19 سنة للفوز ببطولة أوروبا أيضا، هنا ندرك القيمة الفنية العالية التي يمتلكها المدرب ودائما ما يبحث عنها البحرينيون.

وسوزا الذي يتسم بالتواضع ودماثة الخلق له فلسفة خاصة تقوم على عملية تدوير اللاعبين وإعطاء جميع اللاعبين فرص متساوية، وإجراء تغييرات كبيرة في التشكيل من مباراة لأخرى حسب طريقة وأسلوب لعب المنتخب المنافس؛ حيث لم يلتزم بتشكيل واحد طوال مشاركته في بطولتي غرب آسيا وكأس الخليج، وهي فلسفة جديدة صدم بها النقاد والفنيين والمحللين.

بدأ منتخب البحرين مشواره في "خليجي 24" بطريقة مخيبة للآمال بالتعادل مع منتخبنا العماني، ثم الخسارة أمام الأخضر السعودي بهدفين دون رد في مباراة صدم فيها السعوديون أشقاءهم بعودة لاعبي الهلال من مشاركتهم الآسيوية، وهم من حقق اللقب القاري قبل يومين من انطلاق البطولة الخليجية ليشكلوا إضافة قوية للأخضر السعودي الذي كان يحتاج للعودة للبطولة بعد الخسارة من الكويت في الافتتاح 1/3 ليضربوا وبقوة ويهزموا البحرين، ثم ما لبثوا أن كشفوا منتخبنا العماني بل والكرة العمانية بالفوز على حامل اللقب 3/1.

وحسمت البحرين بفوزها على الكويت بنتيجة 4-2 التأهل للأحمر باحتلاله المركز الثاني، وبفارق هدف عن شقيقه العماني ليواجه المنتخب العراقي في نصف النهائي وهي المباراة التي رجحت فيها الترشيحات أسود الرافدين عطفا على أدائهم القوي في دور المجموعات بقهرهم لبطل آسيا المنتخب القطري، ومن ثم الفوز الصريح على الإمارات، وبعد ذلك التعادل المطلوب أمام اليمن ليتصدروا المجموعة، ويقابلوا الأحمر البحريني الذي لعب بلا ضغوط كبيرة، وبرغبة جامحة نحو التأهل التاريخي والثأر من المنتخب السعودي.

 ولعب البحرينيون وفق إمكانياتهم، متسلحين بثقة الفوز على العراق في كربلاء قبل 3 أشهر تقريبا، بتحقيقهم لقب غرب آسيا؛ بما يعني ثقة المدرب سوزا في إمكانيات لاعبيه وقدرتهم على تجاوز عقبة نصف النهائي ليتقدم العراق مرتين وعادت البحرين في كل مرة ليحتكم المنتخبان لضربات الحظ الترجيحية وهو ما عمل عليه سوزا عندما اعتمد طوال المباراة على المرتدات السريعة واللعب على أخطاء العراقيين والمساحات الخلفية، واستدراجهم نحو الركلات الترجيحية أو محاولة خطف هدف الفوز، ووضح تماما أن البحرينيين كانوا على درجة عالية من الكفاءة والتدريب على تنفيذ الضربات الترجيحية ليتمكنوا من الوصول للنهائي الأول بعد 3 محاولات سابقة أجهضها العمانيون.

 

كتابة تاريخ جديد

مزقت البحرين صفحات تاريخها المؤلم في كؤس الخليج منذ انطلاقتها قبل نصف قرن عندما كتبت ليلة القبض على اللقب الخليجي سطورا جديدة بدخولها لنادي المنتخبات الخليجية البطلة في مباراة الحلم الكبير المنتظر.

واستحوذ المنتخب السعودي على الكرة معظم أوقات الشوط الأول، فكانت له الأفضلية الهجومية مستفيدًا من مهارة لاعبيه في بناء الهجمات، ونوع رينارد من شكل وتكتيك الهجوم، من الأطراف عبر انطلاقات ياسر الشهراني من اليسار وفراس البريكان من الجبهة اليمنى، واستغل سالم الدوسري مهارته في التسليم والتسلُّم تحت ضغط المنافس في إسناد الكرة للقادمين من الخلف لإحداث الكثافة العددية.

واعتمد رينارد على طريقة لعب 4/3/3 ذات الطابع التكتيكي المعتمد على بناء الهجمات من الخلف والتقدم بها حتى الثلث الأخير من الملعب عبر الهجوم المتنوع؛ لذا ردَّ البرتغالي سوزا بالضغط العالي على حامل الكرة في ملعب المنافس لمحاولة إجهاض الهجمات السعودية من مهدها، مع سرعة الارتداد للمناطق الدفاعية تزامنا مع انتشار جيد وتقارب في الخطوط.

ولعب سوزا بطريقة لعب 4-1-4-1، التي تتحول في الحالة الدفاعية إلى 4-5-1 بوجود لاعبين على خط عرضي في الارتكاز، يتحولان إلى وضع عمودي عند الاستحواذ على الكرة، لكن لم يجتاز المنتخب البحريني منافسه في تكتيك بناء الهجمة، وإنما اعتمد على الهجوم المرتد واللعب على أخطاء منافسه.

ومع انطلاق الشوط الثاني واصل الأخضر السعودي اعتماده على تكتيك الاستحواذ، غير أنَّ التفوق البدني البحريني وتركيز لاعبيه كان عائقًا أمام مساعي السعودية للتهديف. وشهدت الدقيقة 70 عرضية برازيلية من مهدي فيصل سجل منها محمد الرميحي هدف الفوز للبحرين، وتحملت المنظومة الدفاعية ملحمة وقودها الرغبة في الفوز حتى الدقائق الأخيرة التي تعرضت خلالها لضغط سعودي قوي، غير أن محمد السيد جعفر احتفظ بشباكه نظيفة حتى صافرة النهاية معلنة تعاطف وفرحة خليجية عارمة بالتتويج الأول للبحرين، بحضور فلسفة تدريبية جديدة صدم بها سوزا البرتغالي الخليج، وأعلن عن بروز كرة خليجية ربما تصنع شيئا في التصفيات المزدوجة المؤهلة للنهائيات الآسيوية وكأس العالم؛ حيث يأتي وصيفا في المجموعة خلف العراق وقبل إيران المتمرسة.

تعليق عبر الفيس بوك