علة كرتنا العمانية أعمق من كومان

حمود الحاتمي

تبارى الإعلاميون والجماهير في تحليل أسباب خروج منتخبنا الوطني، وأجمعوا على أن المدرب الهولندي كومان ومساعده مهنا سعيد هما السبب في النتائج الضعيفة التي حققها المنتخب في كأس الخليج، لكنني عندما تأملت واقعنا الكروي حدت عن الطريق الذي فكروا فيه، وآثرت لنفسي طريقا آخر، طريقا أبحث فيه عن الأسباب الحقيقية التي جعلت من كرتنا العمانية بين مد وجزر على مستوى المنتخب الأول، وخسائر متكررة للمنتخبات السنية بعد أن كنا متفوقين بها.

كرتنا العمانية لم تهزم بسبب خيارات كومان وسيطرة مهنا سعيد على القائمة النهائية كما يدعي الجميع. لكنها هزمت لأسباب متنوعة ومنها الأندية؛ حيث لم أر للأندية إستراتيجية واضحة للعمل عدا إستراتيجية نادي الرستاق الذي صاغها شبابه في ورش عمل متواصلة وبدأ تنفيذها ومنها الاعتماد على بناء فرق سنية لتكون رافدًا للفريق الأول.

أما الأندية الأخرى، فلا تهتم بالمراحل السنية، وتتعاقد كل موسم لاعبين تحت العرض والطلب وترزح تحت المديونيات المتراكمة ولعل الاجهزة الفنية بالأندية هي مشكلة بحد ذاتها، على الرغم من حصولها على الشهادات، لكنها فقيرة في تطوير مهارات اللاعبين وتعتمد على اللاعب الجاهز.

كما أنَّ إدارات الأندية هي إدارات غير محترفة وتمارس العمل الرياضي وفق أهواء وعشوائية، وليس تخطيطا، وأرهقت أنديتها بمديونيات دون مساءلة قانونية لها فتستقيل بعد أن تخفق في تحقيق نتائج، كما أن إدارات الأندية بسبب التربيطات السلبية والبحث عن المصالح الشخصية أسهمت في إيجاد اتحاد ضعيف يستجيب لكل طلباتها، ولا ينظر لمصلحة الوطن، ودليل ذلك دوري تكوين الذي يقام، وسوف يعيد كرتنا للوراء عشرات السنين.

ومن أسباب تراجع كرتنا: الاتحاد العماني لكرة القدم؛ فعندما أعلن رئيس الاتحاد عن رؤيته وهي الشفافية والعمل بروح الفريق الواحد، فرحنا به، وما إن أكمل الاتحاد بضعة أشهر حتى دبت الخلافات بين أعضائه، فلم نرَ رؤية عمل حقيقية، ولم يتم تقييم عمل المنتخبات، ولم نشاهد سوى خروج متوال للمنتخبات من بطولة كأس آسيا، ولم يستطع المدربون الوطنيون قيادة تلك المنتخبات بسبب ضعف عملهم، وظل الشارع الرياضي ينادي بضرورة التعاقد مع مدربين لهم خبرة ونتائج في أكاديميات ومنتخبات السنية في العالم، ولكن الاتحاد ظل ينتهج نفس النهج والاتحاد يتحمل المسؤولية الكاملة.

أكثر ما يُعاني الوسط الرياضي منه اليوم: هو الإعلام الرياضي؛ فللأسف الشديد إعلامنا الرياضي إعلام تحزبات بين هذا وذاك؛ فمن كان مع الاتحاد السابق، وتحول إلى معارض وتحول الاعلام المعارض للاتحاد السابق إلى مطبل وملمع للاتحاد الحالي.

وجيش الإعلاميين الموجود في الدوحة من محللين وكتاب نجدهم يتسابقون في الظهور في القنوات الخليجية يطلقون تصريحات تهاجم لاعبين صغار لم يدخلوا المنتخب إلا في عهد كومان، وبعضهم يصف المدرب بذميم الصفات، ومنهم من يكتب لقاء مفبركا مع مهنا سعيد وصحيفته تنفي الخبر في اليوم الذي يليه، وهذا يثبت عدم مصداقيتهم.

قِلَّة منهم من كانت داعمة للمنتخب ولاعبيه وهي عدد محدود الأصابع أدى رسالته لخدمة المنتخب. أما البقية الباقية بعد خروج المنتخب، فتسابقوا في اتهام كومان بخسارة اللقب الخليجي.

أسهم مدربو المنتخبات السنية في انتكاسة كرتنا، فلم تقدِّم لنا المنتخبات السنية لاعبين يمكن الاعتماد عليهم؛ فلاعبو هذه المنتخبات أخطاؤهم بدائية، وتنم عن عدم صقل لمهاراتهم، رغم موهبتهم الفطرية، وهؤلاء المدربون الذين هم على رأس الاجهزة الفنية لم يخرجوا لنا هدَّافاً من فئة عماد الحوسني وإسماعيل العجمي، ولا مدافعين كمحمد ربيع وخليفة عائل، ولا لاعبي وسط بمهارة فوزي بشير وبدر الميمني؛ فخططهم عقيمة ومهاراتهم التدريبية محدودة.

لعلِّي أتفق مع المحللين أن المدرب كومان ومساعده يتحملان جزءًا من المسؤولية؛ فبعد رحيل فيربك تم التعاقد مع كومان، وظل مهنا سعيد مدربًا مساعدا، وكنت أتمنى أن يساعد مهنا المدرب في اختصار الوقت بدلا من البناء من جديد، والذي قد يستغرق وقتًا طويلا، إلا أن ما تمت مشاهدته لم يتم الاستقرار على تشكيلة ثابتة متجانسة، وتم إيهام الشارع الرياضي بالاعتماد على الشباب، لكن الحقيقة لم يستطع إلا أن يعتمد على الحرس القديم.

إذا أردنا أن نخرج من هذا النفق المظلم؛ فعلى الاتحاد العماني أن يقدم استقالته وإجراء انتخابات مبكرة حتى يخرج الاتحاد من الخلافات التي لازمته منذ إعادة تشكيله وإقالة جميع أجهزة المنتخبات بمن فيهم المدرب كومان والتعاقد مع مدربين للمنتخبات السنية من الأكاديميات الكروية العالمية التي لديها القدرة على تطوير قدرات منتخباتنا السنية.

ويتم التعاقد مع مدرب للمنتخب قادر على اختيار عناصر تخدم المنتخب، ويتم التدوير في التعاقد مع المدربين العمانيين ليكونوا مساعدين للأجانب حتى يكتسبوا الخبرة، وتكون فترة بقائهم لا تزيد على ثلاث سنوات، وتعطى الفرصة لمدربين آخرين.

كذلك التعاقد مع خبير فني له بصمات واضحة وملموسة، وليس خبيرا تنظيريا، أفكاره يستحيل تنفيذها، وتمنح للخبير صلاحيات تقييم المنتخبات وعملها، وتقديم تقارير مفصلة للاتحاد حتى يتم اتخاذ القرار الصحيح. وعلى الاتحاد المساهمة في تكوين خبرات تدريبية من خلال الدورات الداخلية الخارجية، وبعدها يتم إسناد مراكز التكوين لهذه الخبرات والتدرج بها حتى تصل لقيادة المنتخبات، بعد أن اكتسبت الخبرات والمعارف.

وعلى وزارة الشؤون الرياضية إخضاع إدارات الأندية لدورات في الإدارة الرياضية، ويتم متابعة عملهم من خلال الوزارة نفسها.