(نحن مستهدفون)
د.عبد الحميد إسماعيل الأنصاري
يحكم المناهج الدينية، في غالبيتها، وخطابها الجماهيري الإعلامي، مفهوم بنيوي أساسي، هو أننا (أمة مستهدفة) من قبل العالم، ويكاد هذا المفهوم يُشكل عقيدة لدى الغالبية من الجماهير العربية والإسلامية، وكذلك النخب السياسية والثقافية والاجتماعية.
فضلاً عن الفكرين: الديني واليساري، فإنَّ الفكر القومي كله، نشأ وتكون وهيمن على العقل والوجدان الجمعي بهذا المفهوم الحاكم (الأمة العربية مستهدفة دائماً وأبداً) من قبل أعداء أقوياء كثر، لا يريدون لهذه الأمة أن تتوحد وتنهض وتنافس الأمم الأخرى، خشية أن تتضرر مصالحهم.
وإذا كان الفكر القومي يجد شواهده في التاريخ الحديث والمعاصر، في الماضي الاستعماري، الذي جثم على البلاد العربية، واستغل مواردها، ورسم حدودها، وما تبعه من وعد بلفور وزرع إسرائيل، واتفاقية سايس بيكو، والعدوان الثلاثي، وغزو العراق إلخ (وذلك وهم عريض توارثناه جيلاً بعد آخر، أنا كنا أمة موحدة حتى جاء الاستعمار، وفرقنا تبعاً لمبدأ فرق تسد) فإنَّ الفكر الديني يؤصل المفهوم رجوعاً إلى البدايات، من مكائد يهود المدينة، مروراً بالفتنة الكبرى التي دبرها اليهودي ابن سبأ، ثم الحروب الصليبية، فيهود الدونمة الذين وراء سقوط الخلافة العثمانية، فبروتوكولات حكماء صهيون، وأخيراً وليس آخراً، الجماعات الإرهابية: القاعدة، وداعش، وبوكوحرام، وغيرها من صنائع الغرب وأمريكا، لتشويه الإسلام واتخاذها ذريعة لمُحاربة الإسلام والمسلمين.
يتكئ الرافد الديني على نصوص دينية من القرآن والسنة، فمن القرآن الكريم، يتخذ من الآية الكريمة (ولن ترضى عنك اليهود والنصارى حتى تتبع ملتهم) ومن السنة النبوية، يستشهد بالحديث (يوشك الأمم أن تداعى عليكم، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن، فقالوا: وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت) كما يتصيد أقوالاً مسيئة للإسلام، لقادة سياسيين وشخصيات يمينية متطرفة في الساحتين الغربية والأمريكية، ويتم تضخيمها، للإيحاء بأنها تمثل موقف المجتمعات الأوروبية والأمريكية من الإسلام والمسلمين، كل ذلك لتأكيد دعوى عداوة الغرب وأمريكا لديننا، واستهدافهم لنا، انطلاقاً من النزعة الدينية الصليبية المُعادية للإسلام والتي لا زالت مترسبة في النفسية الأوروبية حتى اليوم، رغم تظاهرها بالإنسانية وحقوق الإنسان.
وحتى يعمق الكراهية في النفسية الإسلامية تجاه الحضارة الغربية، فإنَّ الرافد الديني، لا يقر للغرب بأي تفوق حضاري، وحين يضطر للاعتراف للغرب بتفوقه العلمي والتقني والصناعي، فإنِّه يرجع الفضل في ذلك إلى علماء الحضارة العربية، الذين أفاد منهم الغرب في تقدمه العلمي والتكنولوجي.
أخيراً: وعندما ضرب الإرهاب أمريكا في 11 سبتمبر 2001 أدان قسم من الرافد الديني، العمل الإرهابي لكنه حمل أمريكا المسؤولية، بسبب ما سماه (السياسة العدوانية لأمريكا) وهو خطاب بن لادن نفسه (إن ما حدث في أمريكا يعتبر حدثاً طبيعياً نتيجة للسياسات الحمقاء التي تمارسها أمريكا في معاداة الإسلام والمسلمين)
أما القسم الآخر من هذا الرافد، وهو الأكثر، فقد أنكر تماماً أن يكون ما حصل، من فعل شبابنا الذي زرعنا الكراهية في نفسه، فتطرف، تمسكاً بمقولة (ما يفعله مسلم!) وبحجة، أنَّ هذا الحدث الكارثي الضخم، أكبر من إمكانات وقدرات بن لادن، وهؤلاء إذ برؤوا القاعدة، لم يكتفوا بذلك، بل اتهموا أمريكا، وقالوا: أمريكا ضربت نفسها بنفسها، كذريعة للحرب على الإسلام تحت ستار الحرب على الإرهاب! وفرحوا بظهور كتاب لفرنسي مغمور، اسمه تيري ميسان (طواه النسيان لاحقاً)، وترجموه سريعاً، وقاموا بترويجه، كل ذلك لأنه قال: أمريكا ضربت نفسها بنفسها، للهيمنة على العالم! وللمقال بقية.
، كاتب قطري، عميد كلية الشريعة سابقاً