دور الحكمة الصينية في تحقيق السلام الدائم بالشرق الأوسط

لي زيشين **

عانت منطقة الشرق الأوسط منذ زمن طويل من ويلات الحرب والفوضى، حيث تتوالى الحروب بين الدول والصراعات الجزئية، وينشط فيها التطرف والإرهاب بلا رادع ولا وازع، الأمر الذي يعرقل التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة بشكل كبير. على الرغم من أنّ دول الشرق الأوسط تمتلك الموارد الوافرة، غير أنّها لا تزال تعاني من "عجز التنمية" و"عجز الأمن" الشديدين.

وهناك أسباب كثيرة أدت إلى "العجز الأمني" في الشرق الأوسط، بما فيه الاستعمار والصراع بين القوى العظمى والخلافات العرقية والنزاعات المذهبية والصراع على الطاقة، وهي تشكل مخاطر كامنة لأمن المنطقة. ففي حقبة الحرب الباردة، كسرت الصراعات الجيوسياسية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي التوازن الأمني الهش في المنطقة مرة تلو أخرى، وكثرت التحالفات العابرة داخل وخارج المنطقة، ويكاد الهيكل الأمني للشرق الأوسط ينهار بسبب عقلية لعبة صفرية المحصلة. وبعد حرب الخليج، أصبحت الولايات المتحدة، بالاعتماد على حلفائها، القوة العظمى الوحيدة التي تسيطر على الشرق الأوسط، وتمكنت من بسط استقرار مؤقت في المنطقة بواسطة الهيمنة. لكن في مطلع القرن الـ21، أوقعت الحروب التي شنتها الولايات المتحدة على أفغانستان والعراق الشرق الأوسط في اضطرابات مستمرة مرة أخرى، حيث انتهجت إدارة الرئيس بوش الابن استراتيجية الضربة الاستباقية وقامت بتدخلات سافرة وأحادية الجانب في الشرق الأوسط، وفرضت ما يسمى بـ"مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط الكبير"، الأمر الذي دمر المنظومة الأمنية القديمة في الشرق الأوسط بشكل كامل. ثم سعت إدارة الرئيس باراك أوباما لإخراج الولايات المتحدة من مستنقع الشرق الأوسط باستراتيجية "البصمة الخفيفة"، حيث سارعت بتنفيذ الانكماش الاستراتيجي، مما ترك فراغا أمنيا ضخما في الشرق الأوسط. وزادت التغيرات الهائلة في الشرق الأوسط منذ عام 2011 حدة الأزمة الأمنية في المنطقة.

وبسبب تشرذم الخريطة الجيوسياسية وعجز حكومات عدة عن إدارة أراضيها، تنامى تنظيم "داعش" بسرعة تفوق توقعات المجتمع الدولي وأدى إلى خسائر فادحة لا تقدر للشرق الأوسط والعالم بأسره. وحتى اليوم، لم تنته الاضطرابات السياسية في الشرق الأوسط ولم تُحل تهديدات الإرهاب بشكل فعّال، وما يزيد الأمر سوءا سياسة النفعية القصوى التي تنتهجها إدارة الرئيس دونالد ترامب التي تدفع بالوضع نحو الانزلاق إلى حالة الانفلات بشكل سريع.

إنّ الأمن والأمان الدائمين في الشرق الأوسط لا يمثلان رغبة دول الشرق الأوسط فحسب، بل الهدف المشترك للمجتمع الدولي. ولا تقف الصين متفرجة على قضية أمن الشرق الأوسط، بل هي شريك التعاون الموثوق به لدول المنطقة. كما إن قضية فلسطين القضية الجوهرية للسلام في الشرق الأوسط، وتمثل تسوية قضية فلسطين طريقا مهما لتحقيق العدالة والإنصاف في الشرق الأوسط. وتدعم الصين الجديدة منذ تأسيسها وبكل ثبات المطالب المشروعة والحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، وبذلت جهودا دؤوبة ومستمرة في سبيل دفع عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية.

وستواصل الصين الوقوف إلى جانب العدالة وإحقاق الحق والنصح بالتصالح والحث على التفاوض والدفع بتنفيذ كافة الاتفاقيات المتفقة عليها بين مختلف الأطراف.

إنّ الوضع الأمني الراهن في الشرق الأوسط معقد وحساس للغاية، وتتعرض المنظومة الأمنية في المنطقة لمخاطر "التشرذم"، في حين تواجه الحوكمة الأمنية في المنطقة سلسلة من المشاكل التي تضع عقيدتها وآليتها وأهدافها على المحك. إنّ المفاهيم الأمنية القديمة المتمثلة في عقلية الحرب الباردة واللعبة الصفرية والهيمنة قد عفا عليها الزمن، بل ستزيد الوضع تفاقما. وفي ظل التغيرات الكبيرة التي لم يشهدها العالم منذ 100 سنة، طرحت الصين مفهوم الأمن المشترك والشامل والتعاوني والمستدام ودعت إلى تكريس وصيانة المبادئ الأساسية للعلاقات الدولية القائمة على مقاصد "ميثاق الأمم المتحدة"، سعيا لتحقيق الأمن والأمان الدائمين في الشرق الأوسط.

* الحفاظ على العدالة والإنصاف وتحقيق الأمن المشترك

نقول إنه إذا غابت العدالة، لن تأتي الاتفاقات إلا بسلام بارد ومؤقت. ولا تنفصل الاضطرابات المستمرة في الشرق الأوسط عن فقدان العدالة والإنصاف. فلا يمكن تقسيم أمن المنطقة ولا يوجد ملاذ آمن في المنطقة. ويجب على جميع الدول بذل جهود مشتركة على أساس مبدأ المساواة والاحترام. ولا يمكن لأي دولة أن تكسب الاستقرار من الفوضى في الدول الأخرى، وقانون الغاب ليس الطريق الصحيح للتعايش بين الدول.

إنّ السعي وراء الأمن المطلق والمنفعة القصوى الذاتية يؤدي دائما إلى تفاقم الوضع الأمني، وشأنه شأن مَن يرفع الحجر ليسقط على قدميه.

** تعزيز التشاور والحوار وتكريس التسامح والثقة المتبادلة

لا يمكن تحقيق الأمن الدائم إلا من خلال التشاور المتساوي والحوار السياسي الشامل. ولا تُحل المشاكل بالقوة العسكرية، ولا يتحقق الأمن الدائم بعقلية لعبة صفرية المحصلة. ورغم أنّ عملية الحوار والتشاور تستغرق وقتا طويلا ودائما تتعرض لانتكاسات، إلا أنّ الحوار الشامل يوفر البيئة الأمثل لبلورة الثقة المتبادلة التي تعد أهم مقدمة وأساس لتثبيت إنجازات السلام وتوسيع التعاون المحتمل. وفي الوقت الحالي، ترغب جميع دول الشرق الأوسط في وقف أعمال العنف وإطلاق مفاوضات السلام، ولذا يجب على الدول خارج المنطقة العمل على النصح بالتصالح والحث على التفاوض، بدلا من صب الزيت على النار.

** تعزيز التعاون المتعدد الأطراف وتحقيق التنمية المستدامة

أثبت التاريخ أنّ نزعة الأحادية عاجزة عن تسوية قضية الأمن في الشرق الأوسط، بل ستزيد الوضع توترا. وتنتهج بعض الدول خارج المنطقة سياسة النفعية القصوى في الشرق الأوسط لتحقيق مصالحها الذاتية؛ حيث تنسحب من الاتفاقيات والتحالفات وتفرض الضغوط القصوى، مما يبضع عقبات عديدة أمام الحل السلمي للأزمات. ويجب على كافة دول داخل المنطقة وخارجها الالتزام بالتعاون المتعدد الأطراف وتعزيز السلام عن طريق التعاون وتعزيز التنمية عن طريق السلام، وصولا إلى التفاعل الإيجابي للأمن والتنمية في الشرق الأوسط.

إنّ الصين دولة كبيرة ومسؤولة وصديق موثوق به لدول الشرق الأوسط. وستلتزم الصين كالمعتاد بمفهوم العدالة والإنصاف والاحترام المتبادل والتعاون والكسب المشترك، وتعمل يدا بيد مع دول الشرق الأوسط على تقديم إسهاماتها في بناء مجتمع المصير المشترك للبشرية. وكما قال الرئيس شي جينبينغ "إنّ الصين تحرص على العمل سويا مع دول المنطقة لصيانة السلام والاستقرار في الشرق الأوسط والدفاع عن العدالة والإنصاف ودفع التنمية المشتركة والاستفادة المتبادلة كصديقين حميمين"، بما يساهم بالحكمة الصينية في تحقيق السلام الدائم والتنمية في الشرق الأوسط.

 

** باحث مساعد بالمعهد الصيني للدراسات الدولية

 

تعليق عبر الفيس بوك