قلعة عراد التاريخية تحتضن أعمال رواد المستقبل

 

عبيدلي العبيدلي

 

لا يملك من حضر أمسية الجولة الأخيرة من مسابقات "رواد في القصر" (Pitch@Palace 2.0)، التي أقيمت هذا العام في قلعة عراد، أن يتحاشى ذلك الشعور الذي زرعه بنيان القلعة وتاريخها، الذي اكتسب رونقا جديدا بعد الترميمات التي عرفها.

نظام الإضاءة الذي استخدم تقنيات أشعة الليزر الصامتة، يتسرب في نفس الحاضرين، برومانسية تتحدث عن ماضي هذه القلعة وتاريخها اللذين يعودان إلى الحضارة الإسلامية في القرن الخامس عشر، يكشف ذلك نموذجها الهندسي، الذي شيَّده الأجداد، قبل أن يبدأ تاريخ خضوع القلعة للغزاة المستعمرين بطلائعهم البرتغالية في النصف الأول من القرن السابع عشر.

وحين نربط تاريخ القلعة بمُناسبة الحفل، نشعر وكأن صندوق العمل "تمكين"، بوصف كونه الممول لهذه الفعالية، أراد باختيار ذلك المكان للجولة الأخيرة من مسابقات أعمال الرواد الخليجيين، كي يذكرنا بروادنا من الأجداد، عندما كانت أعمالهم الريادية المتكئة على حضارتنا الإسلامية العريقة تتقدم الابتكارات الأخرى، وتسبقها بجدارة أصبحنا في أمس الحاجة لاستعادتها.

وتقول بعض الروايات أن القلعة اكتسبت اسمها نسبة إلى قرية في جزيرة المحرق، هي عراد، التي كانت تعرف باسم أرادوس، قبل أن تأخذ اسمها الحالي.

بطبيعة الحال تلك الرومانسية التي جاءت محصلة عمليات الترميم الذي عرفته القلعة في الثمانينات من القرن الماضي، التي استغرقت ما يربو على ثلاث سنوات، استخدمت فيها، كما جاء في بعض المصادر التاريخية، من أجل الحفاظ على القيمة التاريخية للقلعة "المواد التقليدية مثل الحجر المرجانية والجير وجذوع الأشجار".

على أرضية القلعة، وتحت رومانسية نظام إضاءتها، اعتلى المنصة التي أقيمت خصيصاً لهذه الليلة 12 رائدا خليجيا، جاءوا إلى البحرين من الكويت شمالا، حتى مسقط جنوبا، وهم من تجاوزا تصفيات مسابقة النسخة الثانية من "رواد في القصر" (Pitch@Palace 2.0)، ووصلوا إلى مرحلتها النهائية.

وكما جاء في الكلمة الترحيبية التي ألقاها خلال المعسكر التدريبي الذي أعد خصيصًا لهذه المناسبة، الرئيس التنفيذي للاستثمار والتسويق بصندوق العمل "تمكين" الدكتور ناصر قائدي تساهم مثل هذه المسابقة "في تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية بالمملكة، من خلال فتح المجال أمام رواد الأعمال للنمو والتوسع على المستوى العالمي، بتوفير منصة متكاملة وشبكة واسعة من الخبراء ورواد الأعمال والمستثمرين والموجهين في قطاع الأعمال تحت مظلة (رواد في القصر)، وتسهم في تعزيز فرص دعم رواد الأعمال البحرينيين وتميزهم على المستويين المحلي والدولي".

الملاحظات التي تغرسها تلك الفعالية المُتميزة، وعلى أكثر من صعيد، في أذهان الحاضرين، الذين شاركوا في التصويت على الأعمال أيضاً، من خلال تطبيق، على الهاتف الذكي، صمم خصيصا لهذه المناسبة، كثيرة، لكن الأبرز بينها كانت:

استئثار الفتاة الخليجية بحصة عالية من المشاريع، فقد كانت سيطرة العنصر النسائي واضحة على عدد أعضاء المشاركين، في كل فريق على حدة. ولم يقف الأمر عند المشاركة، بل تجاوزها إلى القيادة، حيث شكلت غالبية من تولين عرض المشروعات على الحاضرين فتيات خليجيات من الفرق ذاتها. وربما لم تكن المصادفة وحدها هي التي جعلت الفتاة البحرينية تحتل مقعد عريف الحفل الذي تألقت فيه صفاء عبد الخالق.

استحواذ الفتاة الخليجية، وبجدارة على الجوائز المتقدمة للصفوف، حيث كانت الجوائز التي حازت عليها المشاريع الثلاثة الأول من نصيب الفتيات الخليجيات فقط، دون أن يعني ذلك غياب الفتى الخليجي من المسابقة، عبر مشروعات أخرى جيدة، لكنها لم تصل إلى خط النهاية.

حضور العمل الخليجي في عمل إنتاجي مبدع ومتفوق، وهذا يحث على ضرورة التأكيد على أهمية نكهة البعد الخليجي المشترك في المشروعات الوطنية. فوحده البعد الخليجي، القادر على الوقوف في وجه أية أخطار تهدد شعوبه، دولية تلك الأخطار أم إقليمية. كما أنه وحده أيضاً بوسعه تزويد الفائزين بالحجم، والحيز اللذين هم بحاجة إليهما لولوج الأسواق العالمية.

رؤية صندوق العمل "تمكين"، الذي كأنما أرادت أن تقول للحاضرين، أنا لا أسعى لترك بصمتي على تطوير السوق البحرينية، وفي المركز منها الاقتصاد البحريني، الحاضرة فحسب، بل أنا أصر على أن تكون تلك البصمة حاضرة بكل الوضوح الذي تحتاجه، والتأثير الذي لا تستغني عنهما تلك البصمة في مستقبل البحرين، في نطاق رؤية استراتيجية شمولية تصل إلى شطآن البلدان الخليجية الشقيقة.

مما لا شك فيه أن تلك الخواطر الإيجابية تأتي في مكانها الصحيح، وزمانها المناسب. لكن ذلك لا يستطيع أن ينزع من ذهن من حضر تلك المسابقة سؤالا ملحا يحمل في ثناياه الكثير من التحديات وهو: ليس هناك من بوسعه إنكار أنَّ ما شاهدناه في تلك الليلة هو خطوة واسعة وسريعة نحو الأمام على طريق تحول إيجابي، وفي الاتجاه الصحيح نحو كثير من الأهداف التي نسعى لتحقيقها، لكن ما الذي ينتظر تلك المشروعات الجنينية التي بحاجة إلى ذلك الرأسمال الجريء المخاطر، الذي ستقع على عاتقه مسؤولية نقل تلك المشروعات الرائدة الطموحة من واقعها الجنيني إلى مستواها السوقي المنافس لمشروعات أجنبية أخرى؟

مما لا شك فيه، أن سياسات صندوق العمل "تمكين"، ومنذ تأسيسه، وعلى وجه التحديد في ظل قيادته الحالية، تملك مفتاح الإجابة على هذا السؤال، وبوسعها، أكثر من سواها، من خلال البرامج الرائدة المنبثقة من خططها الاستراتيجية، أن تأخذ بيد تلك المشروعات كي تتحول إلى منتجات أو خدمات مُتقدمة تعزز من التحولات الاقتصادية التي تشهدها بلدان مجلس التعاون الخليجي.

واقتصاد اليوم الإبداعي، لا يعتمد فقط على السيولة النقدية، ولا الثروات الطبيعية، رغم أهميتها، بقدر ما يعول على الملكية الفكرية المنطلقة من عقلية مبدعة وإنسان مبتكر، ومجتمع خلاق.

لقد خرجت قلعة عراد في تلك الأمسية من قمقم تاريخها العريق، كي تمد يدها، عبر تلك المشروعات الشابة نحو آفاق المُستقبل، كي تزود الشباب الخليجي الطموح، بشحنة هو في أمس الحاجة لها كي يواصل ما بناه أجداده.

فكانت القلعة الحاضنة الطبيعية الحنون الواعدة لكل من شارك هذا العام في مسابقات "رواد في القصر" (Pitch@Palace 2.0)