قصة قصيرة

إيطاليانــــو

د. موسى رحوم عباس | الرياض

 

        لا أدري ما الذي أكسبه من تعرية نفسي أمامكم! ولكنني أستمرُّ في ذلك، يحبُّ أقاربنا الأثرياء الجُدُد أن يشعرونا بتعاطفهم معنا نحن الفقراء، وتصلنا منهم الكثير من الملابس والأحذية شبه الجديدة، نوزعها على بعضنا حسب العمر والجسم ومقاس القدم، وكان من نصيبي ذلك الحذاء الأنيق ذو العنق المرتفع، وللشفافية هي المرَّة الأولى التي انتعل حذاء من الجلد الخالص، دأبت على تلميعه حتى يصبح أشبه بالمرآة التي ينعكس عليها وجهي، وأنا متوجه للمدرسة، وكنت حريصا على عدم مزاحمة الأولاد كيلا يدوس عليه أحدهم، حتى إنني تركت تلك العادة القديمة التي لم أستطع الفكاك منها طوال سنوات، وهي ركل الحجارة الصَّغيرة التي تقع في طريقي خوفا على حذائي الجديد، وقد حافظ على صفة الجِدَّة سنوات، يعرف هذا كل من زاملني مراحل دراستي اللاحقة، ويعرف أيضا أنَّ هذا الحذاء إيطالي الصِّناعة والمنشأ، وكنت أقول في سرِّي أنَّه - أي حذائي-  أوفى صديق لي، فقد لازمني سنين لاتعدُّ، لولا اعترضتني مشكلة صغيرة أنَّ قدمي صارت تكبرعليه، وبات ضيقا وبخاصة من جهة الأصابع، لا يهمُّ ، تعلمت مِشْيةً جديدة تناسب الحذاء، هي أقرب لعارضي الأزياء، وصرت أطرق بالكعب بلاط الصَّف، شامخا برأسي للأعلى،  فهو المكان الوحيد الذي يحتوى على البلاط في قريتنا المتربة، ربما كنت أقلد الرقص النَّقري، يا لأولئك الغجر! وعندما قُبِلتُ في جامعة حلب حملته في كيس من الورق، وقمت بانتعاله بعد نزولي من الباص أمام كُلِّية الآداب، أو سفينة العشاق كما كنا نسمِّيها، لكنَّه خانني في لحظة قاتلة! عندما رأيت إصبع قدمي يبرز من مقدمة الحذاء، والدَّم يشخب من تحت أظافري، عرفت أنَّني عدت لعادتي القديمة في ركل الحصى، ولا زلت أحمل ذلك اللقب الذي أنعم عليَّ به الأستاذ حيدر أحد مدرسيَّ القادمين من المدينة وهو " إيطاليانو". 

 

 

تعليق عبر الفيس بوك