المشاركة أو المعاركة

 

غسان الشهابي

**كاتب بحريني

لم يكن "الربيع العربي" الذي وقع أهم حدثين فيه (تونس ومصر) في الربيع، كما لم يكن الأصل الذي أخذت التسمية منه (ربيع براغ) في الربيع أيضاً إذ إن بدايته كانت في الشتاء كذلك... وكذلك الحال في تحركات الخريف هذه المرّة التي تجتاح مجدداً بلدان ما حسمت التحركات أمرها من ذي قبل.

فلقد عاشت البلدان الأربع اليوم التي ينبض فيها الحراك (الجزائر ولبنان والعراق وأخيراً إيران... على التوالي) حراكات تململات كانت كفيلة لمبادرة الطبقات المسيطرة للتحرك سريعاً وإطفاء الحرائق من جهة، وإجراء إصلاحات حقيقية من جهة أخرى في العديد من الملفات التي تزعج هذه الشعوب لدرجة أنها تغامر بالخروج عن خط سيرها اليوم الآمن بشكل عام، والهادئ بشكل عام أيضاً، لتختار المواجهة المفتوحة عنواناً ليومياتها.

ما يدعو إلى الاستغراب حقاً هو انعدام "الإبداع" لدى السلطات في أكثر البلاد سواء المذكورة، وقبلها السودان أيضاً، أو غير المذكورة والتي عالجت أوضاعاً مشابهة، إذ تتحدث بلسان واحد غير مبين بالقول إن المتظاهرين ليسوا سوى مندسين، وتحركهم قوى خارجية!

في المجمل، لا يمكن لأي دولة لها مصالح أو مطامع في أي دولة أخرى أن تقف متفرجة على أي حراك شعبي من دون أن تقيّم الأوضاع وترى ما يمكنها عمله، ومن دون أن تحرك أزلامها، ومن دون أن تحاول أن تحجز لها مكاناً في أي تغيير قد يحدث، فهذا الأمر يعتبر من المعلوم في السياسة من الضرورة، فالشكوى من هذه التدخلات من الأمور الداعية للشفقة. لأن هذه التدخلات – في الغالب – تأتي تالية لنفاد صبر الشعوب، وتعنت الطبقات الحاكمة التي تكون في خوف توارثي من أنظمة أخرى موازية، من التنازل لمطالب شعبية، فتجرّها المطالب إلى مطالب أخرى، بما يضيع "هيبة الدولة"، وكأنّ الهيبة تأتي من التعنّت والتمنّع، وليس هيبتها آتية من قدرتها العالية على إدارة الأمور على خير ما يرام بما يجعل الاحتجاج عليها لا يأتي في أمور تتعلق بالأكل والشرب والمسائل المعيشية الأخرى، بل في مسائل أخرى تتعلق بـ "تحسين" الحياة، وليس في أسس الحياة نفسها.

لقد آن للسلطات أن تكفّ عن عذر "التدخل الخارجي" لأنه يشير إلى هشاشاتها واختراقها وقيلة حيلتها قبل أن يشير إلى "عمالة" البعض من الذين يندسّون بين المتظاهرين الحقيقيين، ويشير إلى بيئة حاضنة لمن يلتفت إلى الخارج بدلاً من أن تكون بلاده بيئة آمنة لأفكاره!