القانون.. مرآة المجتمع

ظافر بن عبدالله الحارثي

العلوم الإنسانية تسهم في بناء المجتمع، وتلعب دورا مهما في تطوير الفكر، والذي بدوره يؤثر في العمل وجودة أدائه، ومن هذه العلوم علم القانون الذي يتصف بالتجديد على إعتبار خدمته للإنسانية من حيث تنظيم سلوكياتهم وتقويمها وتقرير الحقوق والواجبات، مُواكبا احتياجاتهم المستجدة؛ فالقانون يتمحور حول الأفراد ويرتبط وجوده بالمجتمع لذا بداهة يتأثر الفرد بقواعده حرصا على ترسيخ وتطبيق قيم العدل والمساواة.

فمن خلال النصوص التشريعية للدول، تستنتج الشكل العام لإقليمها الذي يبين أجهزتها السيادية، سياستها الداخلية، لغتها الرسمية والنظام القانوني المتبع فيها، والذي يوضح مدى تأثر القانون بالقواعد العرفية التي تستند إلى الأعراف والعادات القديمة والمطردة السائدة، وبين مدى اعتمادها على القواعد المكتوبة التي تجمع في وثيقة رسمية تعرف بمسمى الدستور، وفي سلطنة عمان يطلق عليها "النظام الأساسي للدولة" وهو القانون الأعلى الذي يتدرج بعده القانون العادي ثم اللوائح واللذان لا يمكنهما مخالفته؛ ومن خلال النصوص التشريعية أيضا يمكن معرفة ماهية الظواهر الدارجة في ذلك المجتمع، والتي عالجها ونظمها القانون الجزائي التابع لكل دولة "وهو القانون الذي يبين الجرائم ويحدد العقوبات المقررة لها"؛ لأن وجود تلك التشريعات يرتبط بمدى حاجة مجتمع ذلك الإقليم لها؛ وبالتالي قد نلاحظ اختلاف القوانين من بلد لآخر وذلك حسب الممارسات والعادات والتقاليد لكل دولة.

إنَّ تأثر أفراد المجتمع بالقانون يؤثر على مستوى الوعي والثقافة لديه، والتي يترجمها من خلال تصرفاته، وترتبط هذه الفكرة بقواعد العدالة وروح القانون -أي جوهره ورسالته الحقيقية- والتي ما إن يستشعرها الفرد حتى تقل نسب الفساد بشكل عام، والذي قد يتمثل على سبيل المثال في إهدار المال العام أو إساءة استخدام المرافق العامة كالحدائق أو التعسف في استخدام الصلاحيات وغيرها، وكذلك يعكس هذا التأثر في الرأي العام المرتبط بذلك المجتمع وأيضا على مدى الاستقرار والإنتاجية التي قد تقاس من خلال حجم التطور والتقدم الذي تحرزه الدول، لذلك أهمية نشر الوعي القانوني تتعاظم باستمرار؛ فكلما اتسعت دائرة الأخلاق ضاقت دائرة القانون.

فالجهل بالقانون هو أمر مرفوض شكلا وموضوعا، ونصت على ذلك بعض القوانين صراحة، حرصا على عدم التهاون في تطبيق القانون وحتى لا تفتح مجالا للنفس الأمارة بالسوء للإتيان بفعل يشكل تعديا على حقوق الأفراد بشكل عام وخصوصياتهم بشكل خاص. إلا أنَّ المفترض حُسن النية دائما، لذلك أتت قواعدها عامة لا تخاطب فردا بذاته بل تخاطب الصفات؛ علاوة على ذلك عدم الإلمام بالثقافة القانونية تُضعف فرص الحصول على الحقوق؛ وذلك ليس من باب عدم توافر الحماية القانونية للأفراد، وإنما عدم العلم بالشيء يجعل الفرد لا يسعى للحصول عليه، ويرجع ذلك إلى معرفة الفرد بالتزاماته وحقوقه حتى في حدود التعامل مع الآخرين. وأكثر من ذلك، فإنَّ الثقافة القانونية تساعد الفرد على امتلاك الأدوات والمعلومات التي بدورها تؤثر إيجابا في شخصية الفرد والتي تُخرِج الأفراد من دائرة الخوف التي تمثل حاجزا في مطالبة الحقوق.

نستخلص من ذلك أنَّ اهتمام الدول بتطوير وتعزيز المنظومة القانونية يعد من أهداف التنمية المستدامة التي دائما ما تسعى لتحقيقها، عن طريق ترسيخ مبدأ سيادة القانون من صياغة تشريعات والحرص على سلامتها وتناسبها، وتوضيح وتسهيل إجراءات التقاضي، والارتقاء وتطوير العمل القضائي والاهتمام بالكوادر والعنصر البشري المتخصص في هذا المجال، والتأكد من مدى توافق المخرجات مع مزاولة العمل القانوني...وغيرها من الأدوات التي من شأنها الارتقاء بالمنظومة القانونية وأهمية ذلك يرجع لكون القانون مرآة عاكسة للمجتمع.

تعليق عبر الفيس بوك