علي بن بدر البوسعيدي
قبل أيام، قادتني سيارتي إلى ولاية مسقط، في جولة لم أكن قد أعددت لها مسبقًا، وجدتني أجوب الشوارع والدوَّارات دون أن أدري أين وجهتي.. فقط تحضرني العديد من المشاهد أمام عيني، تُسعفني بها ذاكرتي التي انتبهتُ للحظة أنها ما زالت قويَّة ولله الحمد.. بعض المشاهد كنت جزءًا أصيلا منها، والبعض الآخر كنت الطرف المستمع فيها من شيَّاب ذاك الزمان، وقت أن كُنت طفلا وما بعدها في مرحلة الشباب.
النشيد الوطني في طابور الصباح بساحة المدرسة السعيدية، والأداء الجماعي المبهر وقتها، الذي كنا نشعر معه بفخر كبير، فخر بأننا أبناء هذا الوطن، شعرتُ به فجأة، فوجدت سيارتي تبحث وحدها عن طريق يُوصلها لتلك المدرسة الشامخة ببناينها الذي يحفظ على واجهته الكثير من ذكريات الطفولة.. توقفت هناك لبُرهة، وكم كان شريط الذكريات طويلا هذه المرة.. كيف كانت عُمان وكيف أصبحت اليوم؟ كَيف كتب العُماني نظرية التطوير والحداثة بما يحفظ له خصوصيته وهويته الأصيلة؟ كيف جمعت القيادة الحكيمة لمولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- هذا الشعب على قلب رجل واحد؟ كيف وحَّد الهدف الوطني وزرع فينا الإخلاص في الوفاء بمسؤوليتنا تجاه عُمان؟ كيف صِيغت لنا الخطط تلو الأخرى التي تضمن لنا ولبلادنا أن تقوم على بنيان متين راسخ كرسوخ جبالها؟ كيف ضرب العُمانيون اليوم مثالا على أنهم أولو عزم كما كان أسلافهم، وأنهم امتدادٌ أصيل لجيل ذهبي حفظ لهذا الوطن تراثه وعاداته وتقاليده، فأنجبوا أجيالاً ساروا على هديهم، وبنوا كما بنوا، وعمروا، وحافظوا في نفس الوقت على منجزهم الحضاري تماما كما حافظوا على منجزاتهم التنموية؟ كيف بَسَط العمانيون المحبة والتعايش والسلام، وحافظوا على هذه السجايا في زمن نرى فيه العالم من حولنا مشتعلاً بما يحدث هنا وهناك؟
تساؤلات كثيرة، تحمل كل إجابة عنها فصولاً تصلح لتكون كتابًا يحوي حكايات هذا الوطن العزيز، عُمان الأبية الحديثة الماجدة الهانئة في رغد ما تحقق لها طوال مسيرة النهوض المبارك، خلف قائد عظيم، آمن بحق هذا الوطن في أن يكون الأفضل دائمًا، وأن يكون أبناؤه سعداء لمستقبل أفضل، لقد وعدت سيدي ووفيت، فهنيئًا لنا هُويتنا العُمانية، وهنيئا للوطن قيادة بحكمِتك وعدلِك، وهنئيا لكُم ميلاد عُمان الحديثة على أيديكم.
وبهذه المناسبة، وبأسمَى عبارات الولاء والعرفان، يشرفني أن أرفع إلى مقام جلالتكم السامي سيدي قابوس، تحية إجلال ونحن نعيش هذه الأجواء الوطنية المصاحبة للذكرى التاسعة والأربعين للعيد الوطني المجيد، سائلًا المولى لكم دوام الصحة والعافية والعمر المديد، ولعُمان كل الدعوات الخالصة بأن تظل رايتها خفاقة عالية، تحت قيادتكم الحكيمة لتزهو بك الأعوام عامًا بعد عام.