الرقصُّ فوق جِراحٍ مالحة

سهام الدغاري| ليبيا

 

لم تكُنْ حربًا تلكَ التي أَشعلتْها نيرانٌ صديقةٌ؛

بلْ كانت نفثةً انزلقتْ من بين شَفَتَيْ ذَكَرٍ بَغيض،

يقِفُ على الجِهةِ الأخرى من الجَحيمِ،

يَلِدُ نفْسَه آلافَ المرَّاتِ،

ليبحثَ عن لُقْمةٍ يَسُدُّ بِها جُوعَ قَصائدِه العَليلة،

وينسى أنَّ الصُّعودَ المُباغِتَ موتٌ مُحتَّم،

والدُّودةُ فوقَ رأسِهِ تتكوَّرُ،

تبحثُ لهَا عن خُطَّةٍ بَديلةٍ،

تُمكِّنُها منِ امتصاصِ دِماغهِ،

دونَ أنْ تفوحَ منها رائحةٌ نتنة،

***

 

أخبرتني جدتي مَرةً

أنَّ الرَّقصَ مع الظلالِ يجلِبُ الدوارَ،

وأنَّه ليستْ كلُّ الشِّفاهِ تُغري بالتقبيل؛

فـ"الغازيةُ" التي مرَّت بحيِّنا ذاتَ مَسَاء

باعتْ جسدَها لليل

وهي إلى الآن تقفُ متكئةً على مِزاجِها السيء

تمجُّ الشَّتائم تِباعًا

تبحثُ لها عن زوجٍ مَخْصِّي يُعيرُها هُويَّة

***

 

كما أخبرتني أيضًا

بأنَّه قد تأتي غِربانٌ شِرِّيرةٌ أخرى

تدَّعي أنَّها نوارسُ

جاءتْ لتُعلِّمَنا الرَّقصَ فوقَ الجِراحِ المَالِحة

وكيف أنَّ الوقتَ يمضي بطيئًا

بعدَ التِهامِ وجبةٍ من الأسماكِ النافقةِ

أخبرتني جدتي

أنْ أمضي دونَ أنْ ألتفِتَ لمناقيرِها البَاسمةِ وهي تُدَنْدِنُ لَحنَ الموتِ

***

 

كيف أُقنِعُ جدتي بأنَّ كلَّ هذه الزوابعِ لنْ تَطْمِسَ آثارَ خُطْوي،

وأَنَّ الفِخَاخ التي تنْصِبُها الأشباحُ ستَنْهار حينَ تشرقُ الشمسُ،

وأنَّ الأدوارَ الباهتةَ ستنتهي حَتمًا بعدَ إسدالِ السِّتار،

وأنَّ كلَّ ما حدثَ، وما سوفَ يحدثُ لم يكنْ حَربًا؛

بلْ كان مُجردَ نفْثةٍ انزلقتْ من شَفَتَيْ ذَكَرٍ بَغيض.

تعليق عبر الفيس بوك