دولة القانون في مواجهة الفتن

مسعود الحمداني

 

مشهدان مؤسفان حدثا الأسبوع الماضي، رغم محدوديتهما، وضعف تأثيرهما إلا أنّهما كشفا عن وجه تحت الرماد يغطي أذهان بعض أفراد المجتمع العماني "المتحضّر"، مشهدان طغت فيهما عقلية القبيلة على العقلية الجمعية العليا التي تغلّب المصلحة الوطنية على مصلحة الأفراد.. وهي العقلية البائسة التي تحاول الدولة اجتثاثها منذ زمن، لكن يبدو أنّها بحاجة إلى جهود تثقيفية أكبر كي تتطوّر عقلية البعض، وتنمو بشكل أفضل، وتغتسل من جاهليتها الأولى، وتذيب ما علق بها من معتقدات مترسخة لا تزال تعشعش في العقل اللاواعي لدى بعض الناس.

المشهد الأول: ظهر في انتخابات مجلس الشورى، والذي كانت الغلبة فيه ـ في بعض الولايات للأسف ـ للقبلية على حساب "الأكفأ" و"الأفضل" الذي رفعته الحكومة طيلة سنوات، إلا أنّه ظهر من خلال تداول بعض التغريدات والرسائل النصيّة وما تم تداوله من صور وفيديوهات- قبل وأثناء وبعد إعلان النتائج- أنّ وراء الأكمة ما وراءها.. وذهب البعض إلى حد إثارة النعرات القبلية القديمة، والتهجّم على غيرهم، وهو مشهد لم يكن ظاهرا بشكل جليّ في فترات الانتخابات السابقة، رغم وجوده.. بل وذهب البعض إلى اختيار مرشح مسبق يدفعون به للانتخابات على أساس قبلي، وليس على أساس وطني.. وهذا أمر يثير الدهشة والاستغراب، خاصة إذا جاءت من فئة مثقفة، فالعضو يمثّل الولاية دون النظر إلى انتمائه القبلي.. وهذا يعني أننا ما زلنا بحاجة لانتخابات أكثر كفاءة ومهنية مما هو حاصل حاليا، وهو يؤكد أنّ مشوار التثقيف الوطني ما زال يحتاج الكثير من العمل، لتنقية بعض العقليات من سيطرة المصلحة القبلية الخاصة إلى آفاق المصلحة المجتمعية الأكثر رحابة وعمقا.

لكل من يحاول الترويج للنعرات القبلية البغيضة فإنّ قانون الجزاء العماني في مادته (108) ينص على أنه: "يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن (3) سنوات، ولا تزيد على (10) سنوات كل من روّج لما يثير النعرات أو الفتن الدينية أو المذهبية، أو أثار ما من شأنه الشعور بالكراهية أو البغضاء أو الفرقة بين سكان البلاد، أو حرّض على ذلك". لذا فعلى الجهات المختصة الضرب بيد من حديد على كل من تسوّل له نفسه اللعب على وتر القبلية سواء بالترويج لها، أو إثارتها من مرقدها.

المشهد الثاني: الذي أود الإشارة إليه، وهو يدور في نفس الفلك، هو الموقف "المؤسف" الذي حدث في المديرية العامة للإسكان في محافظة ظفار أثناء قرعة توزيع الأراضي في صلالة، وما حدث من اقتحام بعض المواطنين لمبنى المديرية، وإعاقتهم للموظفين عن أداء عملهم، وهو مشهد يعكس كذلك طغيان العقلية القبلية على المصلحة الوطنية، وتأجيج العاطفة الشعبية للتأثير على الآخرين، كما يبرز مع كل ذلك ضعف التثقيف القانوني للمواطنين، حيث ينص قانون الجزاء العماني في الفصل الثاني المادة (191) أنه "يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن شهر، ولا تزيد على سنة، وبغرامة لا تقل عن (100) ريال عماني، ولا تزيد على (500) ريال عماني، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من أهان أو هدد موظفا عاما أثناء قيامه بوظيفته أو بمناسبة قيامه بها أو بسبب انتمائه إليها.."، كما تنص المادة (192) على أنّه: "يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن (3) أشهر، ولا تزيد على سنتين، وبغرامة لا تقل عن (300) ريال عماني، ولا تزيد على (1000) ريال عماني، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من اعتدى على موظف عام أو قاومه بالعنف أو بالقوة في أثناء قيامه بوظيفته أو بمناسبة قيامه بها أو بسبب انتمائه إليها..."، وتقول المادة (193): "يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن سنة، ولا تزيد على (3) سنوات كل من استعمل القوة أو العنف أو التهديد ضد موظف عام ليحمله بغير حق على أداء عمل من أعمال وظيفته أو على الامتناع عنه سواء توصل الجاني إلى مقصده أم لم يتوصل..".

أعتقد أننا ما زلنا بحاجة إلى المزيد من الجهود التثقيفية التي تقع على عاتق عدة جهات من بينها: وزارة الداخلية، والإعلام العماني، والسلطات القضائية وغيرها من أجل نشر الوعي، والتنبيه من مخاطر الفتن التي تنتج عن مثل تلك الأفعال، وهو طريق ليس صعبًا في دولة مؤسساتٍ وقانون كالسلطنة، ولكنّه يحتاج إلى زرع وتكثيف الوعي القانوني لدى المواطن.

إنّ القبيلة هي سند للدولة وعضدها في أوقات الشدة، وهي جزء لا يمكن نكرانه أو إقصائه من التركيبة السكانية والتاريخية للسلطنة، غير أنّه كلما تغذّت "القبلية" ونمت في أي وطن جاء ذلك على حساب السلطة المركزية، ولا شك أنّ السلطنة مضت منذ بواكير النهضة المباركة نحو تذويب القبيلة في الوطن، ورفع شعار يقول أنّ "عمان هي القبيلة الكبرى)" غير أنّ البعض ما زال يضرب على هذا الوتر الحسّاس الخطِر عرض الحائط، دون النظر لما هو أبعد من أنفه..

حمى الله عُمان وأهلها من شر الفتن.

Samawat2004@live.com