إلى نورة الكمزارية.. عاشقة السلطان والوطن

 

د. عبدالله باحجاج

لن أخفي اعترافا كنت احتفظ به لنفسي، هو أنني كنت أكثر الفرحين بترفيع النظام الإداري لمحافظة مسندم من نظام المحافظات إلى مستوى إداري أعلى بمنصب وزير دولة، ربما أكون أكثر من أي مواطن في مسندم خاصة وفي البلاد عامة رغم أنني لم أزرها حتى الآن، هذه حقيقة، وسرها يكمن في طالبة تدرس في جامعة السلطان قابوس اسمها نورة الكمزارية من قرية كمزار القرية الصغيرة التي تحتضنها جبال خصب الشاهقة التي تعد ولاية من الولايات الأربع لمحافظة مسندم.

وتعرفت على نورة الكمزارية عن طريق ابنتي خولة باحجاج قبل وبعد حفل تدشين كتاب "ملهمون من عمان" على هامش معرض مسقط الدولي للكتاب الأخير، وكم كانت مفاجأتي عندما اكتشفت عشق هذا الفتاة- اللامحدود- لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله ورعاه- والوطن العزيز، وهي كفيفة منذ ولادتها، فلم تر جلالة السلطان والوطن سوى بإحساسها وعواطفها ومشاعرها.. إنّه عشق مصدره قوة البصيرة النافذة والعابر لظلمة البصر إلى إدراك معنى الأسماء ومضامينها.

إنّه عشق بريء خالص ومخلص، هدية من السماء إلى قلب هذه الفتاة البريئة، النظيفة التي لم تر نور الدنيا، لكنها عوضت بنور وطنها وسلطانها، الذي يشكل لها الأمل في البقاء، الأمل في الوجود، والآن الأمل في إثبات هذا الوجود عبر آفاق جامعة السلطان قابوس التي كانت حلمها وهي على مقاعد الدراسة، وقد تحقق الحلم بعد أن تفوّقت على إعاقتها البصرية وحققت قرابة 90% في شهادة الدبلوم العام من مدرسة جوهرة عمان بتعليمية مسندم، وهي الآن في السنة الثانية، تخصص آداب، وهذا إنجاز خيالي، يضعنا أمام طالبة مكفوفة استثنائية، ومن ثمّ، لن نستغرب أن تحمل في قلبها عشقا استثنائيا لوطنها وسلطانها.

لها صوت ملائكي، أحسنت به تلاوة القرآن الكريم وتجويده، وحصدت به الجوائز المتقدمة في الأناشيد والابتهالات، ولها عدة مقاطع تعبر بها عن عشقها لوطن لم تره، ولسلطان ارتبطت به وجدانيا، ونتحدى من يسيطر على دموعه أثناء سماعه لصوتها المعبر عن عشقها لوطنها وسلطانها، ما هذا العشق الذي لا يبنى على مشاهدة ملموسة ولا منفعة مادية سابقة أو لاحقة؟ أنشر في النسخة الإلكترونية من هذا المقال على موقع جريدة الرؤية على الإنترنت، مقطعا لها، للاستدلال على هذا العشق الذي بهرني، والذي استحضرته فور سماعي نص المرسوم السلطاني رقم 67/2019 باستحداث منصب وزير الدولة ومحافظ مسندم يوم الإثنين الماضي.

بعيد سماعي بهذا المرسوم على وجه التحديد، ذهب تفكيري إلى هذه الفتاة الرائعة، وقلت في نفسي كم سيزداد عشقها عمقا واتساعا بعد أن خصّ- حفظه الله- مسقط رأسها مسندم بممثل خاص له في محافظة مسندم بمرتبة وزير دولة دون وزارة، ينفذ سياسات وخطط الدولة، وفي الوقت نفسه يكون عضوًا في مجلس الوزراء؛ أي قريبًا من السلطات التنفيذية والتخطيطية والتشريعية، لكي ينقل صوت مسندم واحتياجاتها مباشرة دون بيروقراطية معقدة أو معرقلة، ومنها- أي مسندم ومنه- أي الوزير- إلى أعلى قمة في البلاد.

كم ستكون فرحة الكمزارية بهذه اللفتة السامية لمحافظتها وهي الثالثة من نوعها في البلاد بعد محافظتي مسقط وصلالة، وبالتالي سيحق لوزيرها حضور جلسات مجلس الوزراء، ومخاطبة رئاسة وأعضاء المجلس مباشرة بكل ما يهم المحافظة من احتياجات خدمية أو تنموية أو اقتصادية أو ما قد يواجهها من تحديات بصورة مباشرة.

لن تتمسك نورة بالبقاء في العاصمة مسقط بعد تخرجها، فمسندم ستدخل قريبا مرحلة التنمية الشاملة والحديثة؛ حيث تنتظرها مشاريع استراتيجية، ستعزز ربطها بترابها الوطني، وستسهل من ديناميكية التواصل والاتصال كمشاريع الطرق والمطارات الجديدة ورفع رحالات الطيران إلى تسع وتحديث الأسطول الجوي، وكذلك حتى تكون في مستوى النمو السياحي المتزايد لها، فقد بلغ في الربع الثالث من عام 2018 أكثر من 250 ألف سائح، وكذلك ينتظر مسندم نشاط تجاري وسياحي وترفيهي سيخفف على المواطن من حدة تضاريس المحافظة، وستكون عامل تميزها وقوّتها عوضا عن قلقها.

يحق لنا أن نتفاءل بالقادم لمسندم بعد إشكالات سابقة، لكن صححت مؤخرا، وكادت أراضيها تفرغ من حاضنتها الوطنية لآخرين طامعين فيها، فلم يعد ذلك سرًا وإنما معلنا. من حق مسندم أن تستبشر الآن بالخير القادم لها، وهي بوابة البلاد على مضيق هرمز، وستشكل بوابة السلام لهذا المضيق الحيوي ودوله المتصالحة "قريبا"، فمن ينتظره هذا الدور الوطني والإقليمي والعالمي، لابد من تهيئته لهذه المرحلة، لكي يكون مستحقا ومؤهلا لممارسة دور السلام لأهم ممر مائي في العالم.

فهنيئا لنورة الكمزارية، وتهنئتنا لها هي تهنئة لكل أهالينا في مسندم بل في البلاد كلها، فهذه المحافظة التي يرجع تاريخها إلى 500 عام قبل الميلاد، لها خصوصية استثنائية إقليمية، وتتحكم في أغلب مضيق هرمز الصالح للمياه، نجدها اليوم أمام اهتمام سامٍ بها، اهتمام يعزز الاهتمامات السابقة، وينقلها إلى مستوى مواجهة تحديات جغرافيّتها ويستجيب لتطلعات أبنائها في ديناميكية التواصل السهل وغير المكلف مع جغرافيّتها الوطنية "الأم" ويضع حدا للأطماع الإقليمية بها.