الرؤية تحاور الشاعرة السورية د. ريم الخش من باريس

 

حاورها: ناصر أبو عون

 

  • لا شعر يعلو على النَّظم الجاهلي بصوره ومشاعره وذكائه الحركي.
  • تخصصي الدقيق في "الرياضيات العشوائية وتطبيقاتها بأسواق المال"
  • شيطان الشعر مرتبط بالقسم الأيمن من الدماغ المسؤول عن الخيال.
  • نجحت في اكتشاف فضاءات "سوبولف" للطوريات المستقرة بـ"ألفا".
  • نزعتي المتدينة لا تمنعني من حب كتاب "الوجود والعدم" لسارتر.
  • للغرب دور كبير منذ سايكس بيكو للآن في ضعضعة البصمة العربية.
  • أهم مؤلفاتي كتاب "الحركة البراونية والحسابات العشوائية".
  • الأزمة تكبر بظهور جيل يقلد المدارس الغربية ويكتب الشعر نثرا.
  • ألفت كتابا في الـ 15من عمري نقدتُ فيه أفكار جلال صادق العظم.
  • كانت الرياضيات تملأ عالمي كليا وتفجر الشعر مع سقوط أول شهيد.
  • أتمسك بلغتي العربية وأعتبرها وطنا لي في غربتي.
  • الشعر يحتاج لقاعدة فلسفية وثقافة عميقة حتى يظل قائما صلبا.

***

 

د. ريم سليمان نجيب الخش من مواليد دمشق ابنة الشاعر والأديب سليمان نجيب الخش ووزير للثقافة السورية الأسبق ومؤسس اتحاد الكتاب العرب. حصلتْ على شهادة الدكتوراه من جامعة باريس السادسة (بيير و ماري كوري) تخصص الرياضيات العشوائية وتطبيقاتها بأسواق المال، ونالت شهادة الدكتوراه الفخرية من جامعة المواهب الكندية اللبنانية في مجال الثقافة والشعر والدفاع عن القيم الإنسانية وعام 2017 كُرِّمت بمنحها الشهادة الذهبية مع مرتبة سفيرة الأدب العربي من الكلية العالمية لتعزيز الصداقة بين الشعوب في مجال الثقافة والشعر والدفاع عن القيم الإنسانية 1993م، كما حازت دبلوم الدراسات المعمقة بالاحتمالات وتطبيقاتها من جامعة باريس السادسة ثم تمَّم تعيينها بجامعة دمشق كلية العلوم قسم الإحصاء اللغات وهي تجيد العربية والفرنسية والإنكليزية، ومن أهم مؤلفاتها: كتاب الحركة البراونية والحسابات العشوائية لطلاب الرياضيات بالدراسات العليا ومن أهم منجزاتها الشعرية ديوان "وفاء بزمن الغدر" و"ليتني دوما معه" و"حلاج بحب مذبح" و"فارغ الا منك" وديوان "وأنت لها صلاة" و"سأزرع الأرض آلافا من القبل" و"الراحمون ملاذ آخر شهقة"، وسيصدر لها قريبا ديوان"هكذا أشعرت ريمادشت" في جزئين.

***

س: (1) يعاني المجتمع العربي أزمة هوية وصراع بين الأصالة والمعاصرة ولم يستطع القفز فوق هذه الإشكالية الأخطر بل انتقل الصراع إلى مرحلة من العنف الممنهج والمؤدلج أفضى إلى تمزق نسيج الوحدة القومية، والتحوّل من القومية إلى القطرية ومنتهيا بالشعبوية المقيتة؟ ما تأثير ذلك على الحراك الإبداعي والأدبي؟

 

ج: سؤال مهم جدا جدا... أن نكون أو لانكون هذا هو السؤال...نعم من يتبرأ من انتمائه العروبي سيفقد بصمته المميزة في عالم الأدب وسيلجأ لمظلات أخرى ليحتمي من قرّ الجهل ولكن لن يصل إلى بر الأمان إلا بتمسكه بالحبل الواصل إلى اللاوعي الجماعي حيث بصمة الأجداد وحيث كروزومات الإبداع ...نحن ياصديقي عرب شئنا ذلك أم رفضنا بلغة من أغنى اللغات بيانيا وأقواها تعابيرا .. ولا أظن أن الله - عز وجل - قد اختارها ليكون التنزيل بها إلا لما تحتويه... وكذلك لما يملك العقل العربي.. إنْ قدرَ وعمل... من قدر لامتناه من الإعجاز البلاغي الذي يشكل كلام رب السموات والأرض يقفه الأعلى.... أقول آسفة لأنه لأيدي الغرب دور كبير منذ سايكس بيكو للآن في ضعضعة البصمة العربية.

وبمحاولة تلاشي خصائصنا في بوتقة الشعوبية والعولمة وحيث تولَّد جيل من الأدباء لايتصلون ببصمتهم بل يسعون لتقليد مدارس غربية وكتابة الشعر نثرا على أنه شعر وماهو بشعر أو إقحام المدرسة السوريالية إلى الأدب ليجعلوا من العبارات البيانية هشة لاجذر لها إلا اللاوعي الإنساني الكلي....لست ضد التجديد هذا شيء طبيعي ناتج عن التراكم الكبير للمعارف الإنسانية وتنوع المدارس الأدبية المعاصرة كالرومانتيكية والرمزية والبنائية وغيرهم لكن أنا مع التجديد العربي- الإنساني - إنْ صح التعبير - وهو خليط من الوعي الإنساني المعاصر مع الاحتفاظ بالبصمة العربية الأصيلة.

***

 

س: (2) رغم دراستك في الغرب وتخصصك في الرياضيات، وانتقالك للحياة في الريف الفرنسي إلا أن نصوصك الشعرية تتشبث بأهداب الماضي، وتتكيء على التراث تراثية وتنطلق من الديني والمقدس في أفكارها ومحتواها وحتى لغتها؟

ج: منذ أن وعيت وأنا أسأل عن معنى الوجود!؟ ...كان عمري خمسة عشر عاما حين كتبت كتابا يدعى نقد لنقد الفكر الديني أجبت به على نقد الفكر الديني للدكتور جلال صادق العظم لكن لم أنشره مازال بمكتبتي بدمشق...ثم عندما كانت الفتيات تحلم بالعريس والأطفال كنت أحلم أن يكون لي فضاء بالرياضيات كما للعالم الشهير هلبرت فضاء لي - والحمد لله - في رسالة الدكتوراه اكتشفت فضاءات سوبولف للطوريات المستقرة بـ"ألفا" وكان العلماء قد فشلوا باكتشافها...تخصصت الرياضيات لكي أثبت وجود الله بالرياضيات لأن أختي من أبي كانت تضرب لي الملائكة على اليمين وتبكيني من عملها هذا مدعية أن لاوجود لله ولا للملائكة.. وأثبت وجود الله لأن احتمال أن توجد خلية واحدة حية بترتيبها الـ" DNA " بشكل عشوائي هو احتمال صفري ..فما بالك بهذا الكون العظيم؟؟.كتبت الشعر منذ الصف السادس الابتدائي ولقبتني معلمتي بالعبقرية ولكن التفت للرياضيات كي أطور البلاد للأسف عدت إلى بلاد يتنازعها الطغاة لامكان للعلم فيها .فقط للمتملقين فقط ...حتى قامت الثورة وعدت بسبب الألم والقهر ولكي أنصرالضعفاء بقوة إلى الشعر ... وها أنا اليوم أتتلمذ وأنوي إن شاء الله أن أعيد أمجاد الشعر العربي كما كان بالجاهلية... الحياة بالنسبة لي مسؤولية وكفاح مستمران ... لذلك لا أتأثر بالمكان الذي أنا فيه اللهم إلا بحضارته وبمفكريه وفلاسفته فنزعتي المتدينة لا تمنعني من أن أحب كتاب الوجود والعدم لسارتر ولا أن أطلع على خرافات نيتشه وأقدرها في هكذا تكلم زرادشت بل كل إنسان مفكر خلقه الله له في نفسي احترام ومحبة حتى لو لم يوصله تفكيره إلى الله ... المهم أنه فكر وتدبر وقدر... العقل ياصديقي هو مسؤولية الإنسان هو الأمانة التي فضلنا الله بها على سائر المخلوقات وبه يتم التمرد وبه نشعر بأشباه الآلهة التي تقبع في أنفسنا ...في النهاية كلنا بشر أقحمنا على وجود تحيطه الكثير من إشارات الاستفهام ونحاول جميعا أن نجيب عليها ...والله ... الله يبتسم لعباده الذين يحاولون اختراق حجب الغيب وإدراكه.

***

س: (3) الشعر الحديث بصنوفه المختلفة في جدل لا يهدأ مع القصيدة القديمة، لكن يُلاحظ أن منتوجك الشعري يقف عند المدرسة الكلاسيكية وتبدلين ملابسك ما بين البارودي وشوقي وتلاميذ هذين العَلَمين شكلا ومحتوى.. هل تخشين عبور بحور الخليل ابن أحمد وتتهيّبين النزول من على عمود الشعر.. أم ماذا؟

ج: صدقا لم أقرأ لشوقي ولا للبارودي ولا لغيرهما صدقا كنت أقضي حياتي بين كتب الرياضيات والفلسفة حتى قام الربيع العربي واضطررت لمغادرة جامعتي وعملي بها ومشاريع كتبي بالعربية لحقت أن أؤلف كتابا واحدا للدراسات العليا من منشورات جامعة دمشق عن الرياضيات العشوائية وتطبيقاتها بأسواق المال وهو أول كتاب عربي وضع بهذه الرياضيات المعقدة وكذلك عن الحكمات والاحتمالات الحديثة محاضرات ألقيتها بدمشق لم تنشر بعد بسبب الهجرة ....كانت الرياضيات تملأ عالمي كليا كليا ...لكن تفجر الشعر الكامن منذ أول شهيد أمام عيني ...

المهم شوقي والبارودي وأنا وكل الشعراء للآن نكتب على النمط العباسي لم نتجاوز ضعفهم وليس هذا هو الشعر ...الشعر بإعجازه مانظم جاهليا بلغة عصرية أي لاشعر يعلو على النظم الجاهلي بصوره ومشاعره وذكائه الحركي ...ولكن نحن للأسف تعيقنا لغتنا في التمعن بتركيباتهم الباذخة فنهرب منها لما هو أضعف أي لما كتب في عصور لاحقة كالعباسي والأندلسي.

***

 

س: (4) تتحدثين وتكتبين الفرنسية بطلاقة وتعد الترجمة مرحلة عليا من مراحل التواصل وجسرا للتفاعل مع الآداب الأخرى.. لماذا لم تفكري في اقتحام مجال ترجمة النصوص الشعرية ما بين اللغتين العربية والفرنسية؟ أم إن القضية لها أبعاد وحسابات أخرى؟

ج: لا ميل عندي للغات !! شيطان الشعر له علاقة بالقسم الأيمن من الدماغ نفس القسم المسؤول عن الخيال والرياضيات والهندسة ولنقل أن الملكة التي وهبني الله إياها هي ملكة التخيل والذكاء التجريدي والفني ...لا أملك موهبة الإناث قولا واحدا تعلمت الفرنسية على مضض شديد وأتحاشى الكلام بها إلا للضرورة!! حتى بت غريبة حتى عن طفلتي سارا وسيدرا اللتين لا يتحدثان إلا بها ... أتمسك بلغتي العربية وأعتبرها وطنا لي في غربتي الصعبة وأواسي نفسي بها ... رحم الله والدي الذي أممّ المدارس في سوريا وجعل التدريس باللغة العربية بعد أن كان بالفرنسية ...ربما تتولى ابنتي سيدرا ترجمة أعمالي فيما بعد لأنها ماشاء الله موهوبة جدا باللغة وللناس فيم يعشقون مذاهب.

***

س: (5) طالعت لك العديد من القصائد الممسرحة، والمحاورات الشعرية بين أكثر من صوت داخل القصيدة الواحدة.. والناظر إلى الساحة الأدبية الآن سوف يجد ثلة من الشعراء العرب خاضوا تجربة المسرح الشعري.. هل هي أزمة نصوص أم أزمة شعراء؟

ج: حتى تكتب مسرحية شعرية يلزم الموهبة الشعرية والخلفية الثقافية والنفس الفلسفي..  بتلك الأدوات تستطيع أن تكتب عدد لامتناهٍ من المسرحيات الشعرية إن أردت ذلك أما النفس الشاعري فموجود والحمد لله بكثرة أما عن الثقافة والخلفية الفلسفية أعتقد أنها تنقص الغالبية العظمى من الشعراء المعاصرين ظنا منهم أن الشعر هو عاطفة فقط وهذا غير صحيح ..الشعر كأي الثقافات والعلوم يحتاج لقاعدة فلسفية عميقة حتى يظل قائما صلبا إضافة الى الإحاطة الواسعة بالثقافات الإنسانية في كل المجالات الفنية ومن كل الحضارات الإنسانية.

***

 

س: (6) تركت الحرب آثارها على جسد قصيدة ريم الخش؛ بل وقعت الخش بين سندان المنفى ومطرقة الحرب.. هل من سبيل للنجاة؟

ج: أجيبك ببيت لأمير الشعراء العبقري الفذ امرؤ القيس - رحمه الله -

فلو أنها نفسٌ تموتُ جميعة وَلَكِنّهَا نَفْسٌ تَسَاقَطُ أنْفُسَا

الحرب قتلتنا... نموت عند كل نفس تموت فيها... لكن إيماني الشديد بالله وبالعدل يدفعني لأستمر بالعمل حتى تقوم الساعة وألقى ربي وهو راض عني إن شاء الله... حيث يقول الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه: (إِنْ قَامَتْ عَلَى أَحَدِكُمُ الْقِيَامَةُ، وَفِي يَدِهِ فَسِيلَةٌ فَلْيَغْرِسْهَا).

تعليق عبر الفيس بوك