علي بن مسعود المعشني
ونحن على بُعد خطوات زمنية قليلة من انتخابات مجلس الشورى للفترة التاسعة تعيش سلطنتنا الحبيبة على وقع هذه الممارسة الحيوية المميزة ويترقب العُمانيون ولادة كل فترة من فترات المجلس لما تحمله عادة من زخم ومظاهر جديدة تكشف عن ماهية وهوية المجلس وأطواره ومراحله وسقف الطموح والآمال المُعلقة عليه من الدولة بكل أطيافها ومكوناتها.
تجربة الشورى في السلطنة اليوم أصبحت مُمارسة راسخة في القرار السياسي وحقيقية على الأرض، ولم تعد تجربة أو فرضية يُقلب فيها الرأي في الاستمرار بها أو تغييرها أو استبدالها؛ فهي ممارسة نابعة من كيان عُمان السياسي عبر مراحله التاريخية البعيدة وإن اختلفت المسميات والأهداف والشكل والمضمون إلا أنَّ الفلسفة واحدة.
ما يجعل الشورى اليوم مختلفًا في الممارسة وسقف الطموح هو مقتضيات العصر وأدواته ولغته والتي يمكن وصفها بسلاح ذي حدين؛ حيث يُمكن للعصرنة أن تُرشد التجربة وتُرسخها إذا أنتجت من داخلها، ويمكنها أن تجعل منها معول هدم لها ولكيان الدولة والمجتمع في حال أكرهت على القبول والتمثل لأدوات وغايات لا تشبهها، فمنطق الزمن اليوم بلا شك يختلف كثيرًا عن منطق أزمنة سابقة من التجارب المشابهة ولكن الفلسفة والغايات واحدة في نهاية المطاف.
ممارسة الشورى في السلطنة هي مسؤولية مكونات الدولة وأطيافها جميعها وبلا استثناء بالنسبة والتناسب، وأي إخلال في طيف من هذه الأطياف سيكون إخلالًا بالتجربة والممارسة برمتها بلا شك، من هنا فإننا جميعًا مسؤولون ومساءلون عن سعينا للمطابقة والمزاوجة بين الوطن والشورى وصولًا للتكامل العضوي والتطابق التام حتى نُرسخ للأجيال المتعاقبة ونورثها ممارسة تشبه عُمان في كل شيء بلا إفراط أو تفريط، فممارسة كالشورى هي في حقيقتها أداة من أدوات الأمن الوطني بالمفهوم الشامل والواسع للأمن، وأداة مُهمة من أدوات السكينة العامة للمجتمع وركيزة تنموية هامة للدولة بوجهيها التقني والفكري.
التجارب البرلمانية في العالم تختلف في المُسميات والأدوات والغايات وتلتقي على فلسفة تنمية الوطن والنهوض به بالتكامل مع أطيافه دون إخلال أو مناكفة أو مزايدات كونها تجارب نابعة من عمق حاجات المجتمعات ومواكبة لأطوارها، فحين تغيب الثقافة البرلمانية وفلسفتها وتزيد جُرعة الدفع البرلماني دون مراعاة للممكنات والظرف الزمني تتحول البرلمانات إلى منابر تنابز وتأليب على الوطن وتراوح مكانها كظاهرة صوتية تتستر خلف تشريعات ومواد دستورية لا تجلب أي منفعة للوطن أو المواطن، تجارب تطرد الوطنيين والعقول المثمرة وتجذب المنتفعين والاستعراضيين فقط دونما إثمار يُذكر ومرحلة هروب إلى الأمام بجدارة ببريق مزيف وباهت.
يقوم المترشحون بعرض برامجهم على الجمهور اليوم، كما نشهد ونتابع، وهي سُنة حميدة ومن لزوميات المُمارسة ولمعرفة الناس بقدرات ومهارات المترشحين، وفي المقابل على المُرشحين والمواطنين كذلك العقلانية في الطرح والمطالب وسقف الآمال، وذلك عبر المعرفة الدقيقة والعميقة بالشورى في السلطنة وعدم مُقارنتها بغيرها من الممارسات المثيلة في العالم (نسخ/ لصق) دون التسلح بالوعي والمنطق في المقارنات، حيث إنَّ التجارب البرلمانية للشعوب والبلدان ترتبط ارتباطًا عضويًا بمقدرات الدولة وأطوارها وممكناتها ومنسوب الوعي الجمعي لأبنائها.
فمن المناسب هنا تذكير الإخوة المواطنين بأهمية ترشيح العضو الفاعل والحيوي والذي يُرجى منه تشريف الولاية أولًا والسعي لترجمة طموح أبنائها ومعايشة همومهم ونقلها بصدق عبر الأقنية البرلمانية والوسائل المتاحة له كعضو، كما أن على المواطنين الحرص على اختيار من يُشبه الوطن في سلوكه ووعيه وتعامله وفكره وتجنب بائعي الوهم والسراب والمنبهرين بالآخر دون وعي منهم.
قبل اللقاء: علينا أن نعي جميعًا أنَّ مجلس الشورى هو مكون مهم وسيادي من مكونات الدولة العصرية وليس بديلًا عنها ولا ندًا أو ضدًا لها، وبقدر تشرب المجتمع بالثقافة البرلمانية تكون المخرجات والاختيارات سليمة ومُعافاة والإثمار كبير.
وبالشكر تدوم النعم...