الشرق الأوسط على أبواب كبرى

 

عبيدلي العبيدلي

اشتعلت مواقع وسائل التواصل الاجتماعي حاملة ردود فعل متباينة حول الهجوم التركي على سوريا. وطغى على ما حملته العربية من ردود الفعل تلك التنديد "بالعملية العسكرية التي أطلقتها تركيا الأربعاء (9 أكتوبر 2019) في الشمال السوري. وطالبت العديد من الدول أنقرة بوقف هجومها الذي سيؤثر سلبا على استقرار المنطقة وأمنها، معربة عن خشية من أن تؤدي العملية العسكرية التركية إلى زيادة عدم الاستقرار في المنطقة."

ورغم أهميّة التنديد، لكن حجم تأثيره يتضاءل عندما نكتشف الأسباب الحقيقية التي تقف وراء ذلك الهجوم غير المفاجئ، بل ربما المتكرر منذ العام 2016، الذي تلجأ إليه أنقرة، في فترات تبدو أنّها ليست ذات أهمية، لكن الحقائق على الأرض تنفي ذلك. يضاعف من خطورة تداعيات هذا الهجوم التركي، ما جاء في مجلة " نيوزويك" الأمريكية التي نقلت، في أعقاب محادثة هاتفية بين الرئيسين، أردوغان وترامب على لسان "مسؤول بالأمن القومي الأمريكي اعتبر أنَّ الضغط الذي مارسه أردوغان دفع ترامب للتراجع، وتحديد موعد مكالمة هاتفية بين الطرفين عقب ساعات فقط من إعلان تركيا نيتها التحرك العسكري، ويعتبر المسؤولون الأمريكيون أنّ إعلان ترامب المفاجئ بسحب القوات الأمريكية من سوريا سيلبي دورًا مهما لصالح النظام السوري وحليفه الروسي". وهو ما يصب أيضا في صالح الأهداف التركية التي سنّت ذلك الهجوم.

فمن طبيعة العملية وحجمها، يبدو أنّ تركيا تحمل في جعبتها، وكما أشارت بعض المواقع الإلكترونية التي ترصد تطورات المنطقة، من منطلقات استراتيجية، "هدفان رئيسيان في شمال شرق سوريا: إبعاد وحدات حماية الشعب الكردية عن حدودها إذ تعتبرها خطرا أمنيا، وإنشاء منطقة داخل سوريا يمكن فيها توطين مليوني لاجئ سوري تستضيفهم في الوقت الراهن".

لكن ما تجدر الإشارة له أنّ أنقرة، ومنذ أن استخدمت ذريعة محاربة "داعش"، ومبررات "تحجيم أي دور للأكراد"، عندما شنّت "عملية درع الفرات في أغسطس 2016، ودخلت دباباتها للأراضي السورية لأول مرة "، نجحت في توسيع "رقعة النفوذ التركي شمالي سوريا على نحو غير مسبوق".

وما يكشف خطورة النوايا التركية، طبيعتها الاستراتيجية، ذات الأفق البعيد المدى، والتي تتجاوز محاربة "داعش"، و"تحجيم الحضور الكردي"، هي تلك الوثائق التي لوحت بوجودها أنقرة، والتي – من منطلقات تركية بحتة-، "تؤكد أحقيتها (تركيا) في بسط سيطرتها على 15 قرية بمحافظة إدلب المتاخمة للحدود التركية". وقد سبق لتركيا أن استندت "على وثائق عثمانية مشابهة لتبرير سيطرتها على مدينتي جرابلس ومنبج في محافظة حلب، كما تذرعت بوجود مقابر تعود لقادة عثمانيين في مناطق أخرى شمالي سوريا، لبسط نفوذها عليها".

ما يلفت إلى خطورة العملية العسكرية التركية الأخيرة هو ذلك المقال المطول والمغرق في التفاصيل بشأن مستقبل المنطقة العربية، الذي نشرته صحيفة "الواشنطن بوست"، ونقله موقع فضائية "الحرة"، ذات العلاقات الوثيقة مع دوائر صنع القرار في واشنطن، وجاء فيه، ما يشير إلى خطورة العملية التركية الأخيرة: "سوريا تقع وسط بؤرة صراع تهز الشرق الأوسط..  سوريا تجاور إسرائيل التي لا تزال من الناحية الفنية في حالة حرب، إضافة إلى لبنان الذي يعد منذ فترة طويلة مركزا لعدم الاستقرار... انهيار الأمن في هذه المعسكرات والسجون بسبب العملية العسكرية التركية في شمال شرق سوريا، قد يكون النواة للتهديد المقبل في الشرق الأوسط... روسيا تنظر لمصالحها الخاصة... احتياطيات الطاقة المحتملة وغير المستغلة... (إذ أن) معظم أصول النفط السورية الرئيسية تقع في الشمال الشرقي الخاضع للسيطرة الكردية... يمكن أن يؤدي المزيد من التنقيب إلى اكتشاف احتياطيات الغاز البحرية، بالنظر إلى وجود رواسب عملاقة في مياه البحر الأبيض المتوسط في أقصى الجنوب بالقرب من مصر وإسرائيل وقبرص... منع إنشاء دولة مصغرة كردية فعلية على عتبة أبوابها يمكن أن تشن هجمات على تركيا. بينما يقول أكراد سوريا إنّهم مهتمون فقط بحماية شعبهم في شمال سوريا ولا يسعون إلى الانفصال. في اختصار شديد، ما يجري اليوم، وكما تقول "الواشنطن بوست" يضع منطقة الشرق الأوسط على صفيح ساخن، ينذر باندلاع حرب واسعة النطاق تتجاوز ما قد يتوهم البعض منا حين يصغر من حجم خطورة الهجوم التركي الأخير.

فما يجري اليوم على الساحة السورية، يعيدنا إلى مقال نشره موقع "معهد واشنطن"، في أغسطس 2018، من تأليف الرائد نداف بين حور، "جيش الدفاع الإسرائيلي"، زميل عسكري زائر في معهد واشنطن. مايكل آيزنشتات هو زميل "كاهن" ومدير برنامج الدراسات العسكرية والأمنية في معهد واشنطن. تحت عنوان "حرب الشرق الأوسط الكبرى عام 2019". استعرض ذلك المقال عناصر التوتر التي يمكن أن تقود إلى حرب في الشرق الأوسط في العام 2019. 

مؤشرات خطورة ما تحمله الغارة التركية الأخيرة على سوريا، قضية انفرد بها، أيضا، مقال نشره موقع "الراصد العربي"، جاء فيه "ما يحصل في سوريا الآن يشبه ما حصل فيها بعد الحرب العالمية الأولى. آنذاك سمح المجتمع الدولي لتركيا بابتلاع مساحات شاسعة من الأراضي السورية لأنّ الدول لم تر نفسها معنيّة بالتدخل. الدول في ذلك الزمن خشيت الصدام مع الأتراك، ونفس الواقع هو موجود اليوم أيضا. الدول لا تريد أن تصطدم مع تركيا لأجل قضية تراها غير مهمة".

 كل المؤشرات تحذر من احتمال اندلاع حرب واسعة النطاق في الشرق الأوسط، التي يبدو أنّ الجميع على أهبة الاستعداد لها، ويحاولون كسب ما يستطيعون لصالحهم منها، باستثناء الأكثر تضررا منها، وهم العرب. فمتى يصحو العرب من غفوتهم، ويجمدون، ولو بشكل مؤقت، خلافاتهم، كي لا نطمح فندعوهم لتناسي تلك الخلافات؟ فما يهدد العرب اليوم، يتجاوز الحدود القطرية، ويهدد الجميع، حتى أولئك الذي يضعون تلك الخلافات، بوعي أو بدون وعي، خلف ظهورهم.