أعيدوهم للمدرسة العُمانية

 

حميد بن مسلم السعيدي

Hm.alsaidi@gmail.com

يدخل الطالب عبر بوابة المدرسة وعيناه إلى أعلى ينظر إلى شموخ وعزة ومكانة الوطن في رمزية العلم العُماني، يقف بجواره عالياً يرفع راسه منشداً "يا عُمان نحن من عهد النبي"، يدرك حقاً أنَّ هذا العلم ينبغي أن يبقى في الأعلى ولا تلامس أطرافه الأرض، وأن قيمته ومكانته ينبغي أن ندفع الغالي والثمين من أجل أن يظل عالياً.

يعرف جيداً أن علو هذا العلم دليل على مكانة هذا الوطن وقوته، يتعلم من النظر إليه الكثير من مضامين المواطنة، ينظر إليه وهو ينشد كل صباح عن تاريخ عمان وحضارتها وهويتها، يعاهد الوطن بأن يحافظ على مكانته وعزته وأرضه، هكذا يبدأ اليوم الصباحي في المدرسة العمانية، ما يلبث أن ينتهي النشيد الوطني حتى تبدأ الإذاعة المدرسية، آخذة من المواطنة وأبعادها نظرة وطنية في ترسيخ الفكر الوطني وغرس القيم الفاضلة في نفوس الطلبة، يقف الكل وعينه على تلك المضامين، يتعلم منها ليبدأ يوماً جديداً في مسار عملية التعلم، يستمع إلى تاريخ وطن وإنجازات إنسان.

يذهب الطالب إلى القاعة الصفية ليرى في منتصفها صورة جلالة السلطان المُعظم، يتأمل في تلك الشخصية ويستشعر قيمة الوفاء لعُمان، ينتظر قليلاً ليدخل ذلك المعلم بهيبته الوطنية وبكرامته وعزته، يتزين بالدشداشة العمانية والعمامة العمانية، ممثلاً للشخصية العمانية بكافة رموزها ومكوناتها ووجدانياتها، على محياه تأتي كلمة السلام عليكم، وفي ابتسامته يظهر رونق التسامح، وفي أفعاله تظهر القيم والمبادئ، ليدرك الطالب حقاً معنى أن يكون إنسانا عمانياً، يقف وهو يمثل الهوية الوطنية، فهو يدرك أن كل ما يتعلق بالوطن ينبغي أن يتجسد في سلوكه الوطني، وفي أخلاقه وأعماله التي تنم عن ذلك الانتماء والولاء الوطني. ينظر إليه الطلبة كأحد معالم المواطنة يستقوا منه المعرفة والمهارات والقدرات العقلية، وينغرس فيهم حب الوطن، والانتماء إلى تربته، فهو لن يتحدث إلا عن عُمان، ولن ينمي الحب إلا لأجل عمان، وهنا تبرز أهمية المعلم العماني ودوره في التربية على المواطنة، لذا يكمل الطلبة 12 عاماً من الدراسة في المدرسة العمانية، وجميع أركانها ومكوناتها تتجه نحو تحقيق المواطنة لديهم، ويكمل الطالب هذه السنوات ولا يرى إلا عمان رمزاً للحب والعطاء والعمل.

ما يلبث الطالب العماني أن يفتح الكتاب إلا ويجد بالصفحة الأولى صورة باني النهضة العمانية الحديثة جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم- حفظه الله ورعاه- صورة الرمزية والمكانة العظمى لهذا القائد العظيم في نفوس العمانيين، يدرك خلالها الطالب معنى الولاء للقائد، ومعنى ذلك القائد الذي كرَّس حياته لخدمة وطنه، فيأخذ منه الهمة والعطاء والانتماء والعزيمة، ويترسخ في ذهنه حب الوطن، وأن هذا الحب لا يكون بالكلمات وإنما بالأفعال الحقيقية التي تعبر عن المواطنة الفاعلة.

ثم يقلب الصفحة التالية ليجد خريطة عمان، تلك الخريطة التي تكونت على مر السنين أسسها العمانيون كأرض لهم في امتدادها عبر التاريخ واتساعها لتصبح إمبراطورية عظيمة رسالتها التسامح والسلام، ثم ما لبثت أن استقرت ككيان سياسي أمتد من رؤوس الجبال في مسندم ضاربة في عمق الخليج العربي إلى أقصى الجنوب حيث تعانق جبال ظفار السماء في تشكيل نموذجي يمثل كيانا سياسيا وجغرافيا وتاريخيا له مكانته وعظمته لدى كل عماني، يعرف من خلالها كل مكونات هذه الأرض من سهول وجبال وصحارٍ وبحار ورمال وصخور وتربة، وتترسخ في ذهنه أنه لا وطن لك إلا هذه الأرض التي تلعب فوق تربتها وتنمو فيها، وتعيش من ثرواتها، فهي لك الأم والأرض والوطن والروح، وما أن ترحل عنها إلا وتجذبك إليها حباً وحنيناً إليها.

يتصفح تلك الكتب ليقرأ التاريخ وإنجازات الإنسان العماني عبر الأزمنة، يرى من خلالها كيف كانت عُمان وكيف أصبحت اليوم، يتعلم من ذلك التاريخ أن تحقيق الإنجازات لعُمان لا يأتي إلا من خلال المواطن العماني الذي ينبغي أن يعمل ويجتهد ويثابر لأجل أن يرفع مكانة هذا الوطن عالياً وأن هذا المواطن هو أنت أيها الطالب. يقرأ في تلك الصفحات عن الهوية الوطنية ومكوناتها، يتعرف على مضامين الهوية في شخصيته كإنسان عماني، ويعمل على أن تترسخ هذه الهوية في شخصيته كمواطن، ثم ما يلبث أن يستقى منها كل المعارف والمهارات التي ينبغي أن يمارسها في حياته، بحيث ينمو علمياً وفقاً لتوجهات السياسة الداخلية للدولة، ووفقا للغايات السامية التي تسعى المدرسة العمانية إلى تحقيقها في نفوس الطلبة.

ولكن هناك الآلاف من الطلبة العمانيين يحرم من كل ذلك؟ كيف؟ وأين؟ ولماذا؟

في إحدى القاعات التدريسية بجامعة السلطان قابوس في قسم التاريخ، يقف أحد الطلبة وينادي بصوت عالٍ هذا ليس تاريخ عُمان، إنه تاريخ دولة أخرى! كيف له أن يرفض تاريخه؟ وكيف له أن يقف ضد وطنه؟ يستمع ذلك الأستاذ المتخصص بالتاريخ العماني في ذهول من قوة الصدمة، إنه أحد هؤلاء الطلبة الذين حرموا من التعليم بالمدرسة العُمانية، فكيف لكم أن تتصورا حجم المشكلة إن كنتم تعلمون العدد الكبير من هؤلاء الطلبة الذي يتلقون العلم في مدارس غير عُمانية وفي دولة أخرى مجاورة، فما خطورة هذا الأمر على مستقبل الوطن؟

هؤلاء الطلبة سوف ينغرس فيهم حب دولة أخرى، والانتماء إلى أرض غير أرضهم وإلى وطن غير وطنهم، بل وينمو لديهم الولاء لحاكم غير حاكم الوطن الذي ينتمون إليه، ويتعلم مضامين مواطنة غير المواطنة التي تنتمي لوطنه، وتترسخ في ذهنه هوية غير الهوية العمانية، وشخصية غير الشخصية العمانية، وخريطة وطن ليست خريطة وطنه، ويتربى على الدفاع عن وطن ليس وطنه، كل ذلك وغيره يمثل خطراً كبيراً على الوطن الأم وعلى مستقبله.

فإن كان ولي أمر الطالب غير مدرك لخطورة الأمر، وربما الأطماع الدنيوية دفعته إلى تدريس أبنائه في دولة أخرى مجاورة، وربما لوجود توجهات سلبية نظير الرؤية الضيقة تجاه الوطن، وربما لأنه غير مقتنع بالأداء في المدرسة العمانية، وربما لأسباب عديدة ولكنه يجهل ما يحدث بالمستقبل عندما يعود هؤلاء الطلبة ليصبحوا مواطنين في عُمان في مؤسسات حكومية تكون على عهدتهم مكانة الوطن وحمايته، ماذا نتصور من ذلك؟

إن خطورة هذا الأمر لا ينبغي أن تقف عند هذا المستوى وأن على المؤسسات الحكومية ذات الاختصاص أن تعمل جاهدة لمعالجة هذه المشكلة، من حيث خطورتها في المستقبل، وأن الطالب العماني ينبغي أن يتلقى تعليمه في المدرسة العمانية لا سبيل له إلا هذه المدرسة، وأن هذه المؤسسات عليها أن تتبنى العديد من الإجراءات العلاجية المستعجلة وأن تعمل على الجلوس مع أولياء الأمور والاستماع إليهم والعمل على تغيير اتجاهاتهم وإقناعهم بأهمية تعليم أبنائهم تحقيقاً لرؤية جلالة السلطان في تعليم جميع أبناء عمان في المدرسة العمانية، والعمل على دعم القطاع الخاص في إقامة مدارس خاصة تقدم خدمات ذات جودة عالية تعمل على مساندة المدارس الحكومية في تحقيق التعليم عالي الجودة، كما ينبغي أن تحصل الولايات الحدودية على دعم مختلف عن بقية الولايات الأخرى، وأن يكون التعليم نموذجياً ذا جودة في كافة الخدمات التي تقدم للطلبة، كما ينبغي أن تتخذ كافة الإجراءات لكل من يخالف الأنظمة الوطنية ويعمل ضد المصالح الوطنية العليا.