د. عبدالله باحجاج
نُحاول في هذا المقال تفكيك السلبية التي يحملُها البعضُ عن مجلس الشورى، والتي بسببها -أي السلبية- قد تتأثر مُمارسة الحقِّ الانتخابي، وهذه السلبية لا تتَّجه إلى المجلس مباشرة كمؤسسة، وإنما إلى أداء أعضائه. وهُنا الإشكالية التي ينبغِي التوقُّف عندها، ووقفتنا عندها ستكون من خلال دحض الحُجة بالحُجة، ليس بهدف رمي الكرة في ملعب السلبيين، وإنما لتصويب البوصلة من السلبية إلى الإيجابية.
إذا كانت حُجية السلبيين: إخفاق الأعضاء في تمثيلهم للمجتمع العماني؛ فإننا لو سلمنا بهذه الفرضية، فينبغي أن نطرح عليها التساؤل التالي: وماذا فعلتم أنتم حتى تختاروا الكفاءة والنزاهة التي تصنع لكم ما تتطلعون إليه؟ فمهما يَكُن، فإنَّ اختيار أعضاء مجلس الشورى هو قرار الناخبين؛ أي: الجمهور.
فمَن يَلُوم مَن؟ صحيح أنَّ تجربتنا الديمقراطية لم تُستكمل حتى الآن، وهى في طريقها للتشكُّل النهائي من منظور التدرُّج، لكنَّ الأصح أنَّ الممارسة لمراحل التدرُّج ينبغي أن تكون أكثر نُضجا ووعيًا، وهى لم تتحقق بالصورة المرجوَّة رغم وجود ممارسات واعية، لكنها محدودة؛ لعدة أسباب، لكنَّنا نُركز هُنا على آليات اختيار الأعضاء من قِبل الناخبين، وهُنا مساءلة لضمائر السلبية: مَن مِنكم مارس حقَّه في التصويت خلال انتخابات الفترة الثامنة؟ وهل ذهبتْ أصواتُكم نحو الكفاءات، أم تحكَّمت فيها اعتبارات خاصة؟
صَوتُ الفرد الواحد قد يَصْنَع الفارق، والفارق قد يَكُون لصالح الكفاءة أو العكس، وهنا تأتِي أهمية تصويت الكل، وتقاعُس البعض لأي سبب، كالاتكالية أو اللامبالاة، قد لا تدع صناديق الانتخابات تُخرج الكفاءة التي تُنتِج ما يتطلع إليه المواطنون؛ فمثلا: تغيُّب رُبع أعضاء المجلس عن جلسة التصويت المشتركة بين الشورى والدولة في مشروع قانون من أهم القوانين، مَن الذي اختارهم؟ أليس الناخبون؟ فهم خيار المجتمع، وكذلك الأعضاء الذين لم يتمكنوا من التعايش مع خلافاتهم، وظلت حالة الخلاف بينهم طوال كل سنوات الفترة الثامنة.. هم كذلك خيار الناخبين، الأعضاء هم صناعة غالبية الجماهير، والديمُقراطية هي في مجملها قرار الجماهير، فمن المسؤول عن نجاح أو إخفاق الأعضاء؟
نحنُ هُنا لا نتجاهل حداثة مجلس الشورى كتجربة ديمقراطية متطوِّرة، ولا صلاحياته المتدرِّجة التي لم تصل إلى الماهية التي نتسلَّم نضوجها كاملة الآن، وهى آتية لا محالة -وقد كانت لنا مجموعة مقالات بشأنها- لكن في الوقت نفسه تتحمل القواعد الانتخابية -الناخبين- مسؤوليَّة اختيار الأعضاء؛ وبالتالي تَبِعات النجاح الذي يراه البعض في عمل اللجان التي لم تخرُج للمجتمع، والإخفاق الذي يولد السلبية التي نستهدف الآن مخاطبتها لتغيير قناعة المتأثرين بها من الناخبين.
فمَن يَرَى أنَّ عضوًا قد انتفع من عضويته، أو أنَّ آخَر لم يكن أداؤه مرضيًا..إلخ، فإنَّ هذا يعني أن هناك خللا يجب تصحيحه من خلال صناديق التصويت المقبلة، وليس الحل هنا الامتناع عن التصويت.. فاختيار الكفاءة الأمينة الملتزِمة بمصالح الوطن والمواطن، هي أمانة سنُسأَل عنها وطنيًّا ودينيًّا وأخلاقيًّا، والامتناع عن التصويت فيها تحمل نفس المساءلة للذات الفردية؛ فلا يُمكن للفرد أن يقف موقف المتفرِّج على صناعة النُّخب التي ستراقب أداء الحكومة، وستشاركها صياغة المنظومة التشريعية لمرحلة وطنية بالغة التعقيد والحساسية، بحُجة: ماذا فعل السابقون؟ التي تحاججها حجية: "هُم من اختياركم".
وهُنا؛ تسقط كل مُبرِّرات السلبية ودوافعها؛ فالاختيار إما يكون عن طريق اتخاذ فعل أو الامتناع عن فعل، فمن لم يُصوِّت، يتخذ فعلًا سلبيًّا، وهو الأخطر؛ لأنه يترك للأفعال الأخرى الفرصة ان ترجح مرشحيها، لن نقول عنهم سوى أنهم غير مُؤهلين للمرحلة؛ فكل مرحلة لها شروطها ومواصفاتها، ومن ثم ينبغي اختيار الأعضاء المناسبين لها، فليست العبرة في الهياكل والمؤسسات وإنما في فاعليها، فهى قوية بقوتهم، وضعيفة بضعف منتسبيها.
وفي يوم 27 من أكتوبر الجاري، سيتكرَّر أمام الناخبين المشهد نفسه الذي حدث قبل أربع سنوات؛ فهل سيمارس كلُّ مواطن حقَّه الدستوري في التصويت، أم ستسيطر عليه السلبية؟ ومن سيختارون؟ الاختيار سنتركُه للقناعات الانتخابية، ولضمائر الإحساس بالأمانة في الاختيار، لكننا هُنا نُؤكد على حتمية المشاركة في الانتخابات المقبلة لأهمية الأربع سنوات المقبلة في مسيرة بلادنا التنموية والاقتصادية، والتي ينبغي أن تُؤسِّس لمستقبل آمن ومُستدام.
فالفترة التاسعة (2020-2024) ستشهد في أولى سنواتها تطبيق الرؤية المستقبلية "عمان 2040"؛ والتي تستهدف جعل بلادنا "في مصاف الدول المتقدمة"؛ ففي محور الإنسان والمجتمع تستهدف الرؤية مجتمعًا، إنسانُه مُبدع، عبر التعليم الشامل المستدام، ونظام صحي رائد بمعايير عالمية، ومجتمع معتز بهويته وثقافته، وحياة كريمة مستدامة للجميع؛ فهُنا تكمُن أهمية المشاركة المجتمعية في الرقابة والتشريع، واختيار الأنسب لها.
أمَّا محور الاقتصاد، فستُركز "رؤية 2040" على اقتصاد المعرفة، ذي البنية التنافسية، عبر تعزيز التنويع وإفساح مجال أكبر للقطاع الخاص، ونظام فعَّال للبيئة وتنمية شاملة جغرافيًّا، وسوق عمل جاذب، وقيادة اقتصادية ديناميكية. وفي محور الحوكمة، يكمُن الهدف في جعل الحكومة مرنة، تُقدِّم الخدمات بأفضل وأسهل طريقة وتطبيق اللا مركزية. وشراكة متوازنة ومنظومة تشريعية تشاركية.
ولمِثل تِلكُم الأهداف الإستراتيجية التي يتَّفق عليها الكل، يستوجب من كل المواطنين المشاركة في انتخابات اختيار الأعضاء لهكذا مرحلة إستراتيجية مليئة بالتحديات، وتتطلَّب مشاركة مجتمعية واعية وملتزمة؛ لذلك تستوجب مشاركة كل مواطن يحقُّ له الانتخاب قانونًا، وتستوجب كذلك اختيار الكفاءات المناسبة التي تراقب أداء الحكومة في تحقيق تلكم الأهداف، خاصة الاجتماعية، والواردة في "رؤية 2040"، ومشاركة الحكومة في صياغة منظومة التشريعات الجديدة التي ستُؤطِّر وتنظِّم مستقبل البلاد.
من هُنا، تعدُّ المشاركة في الانتخابات المقبلة مسؤولية الفرد والجماعة بكل المعايير الأخلاقية ومرجعياتها؛ فلا مجال للسلبية وفق الاعتبارات الوطنية سالفة الذكر، كما أنَّ علينا الإيمان بحتمية استكمال تجربة الشورى العُمانية؛ فكل الظروف تنتج مقوماتها كاملة الآن؛ أبرزها: انتقال دور الدولة من الرفاه الاجتماعي إلى الضرائب والرسوم، وهذا يُوجب إشراك المجتمع في صناعة القرار، وهذا حتميٌّ لهذا التطور.
لذلك؛ كُلنا سنذهب لصناديق الانتخابات بإحساس المسؤولية الوطنية، وثِقل الأمانة والالتزام الأخلاقي؛ لكي نختار الأنسب لمرحلة وطنية حدَّدنا ملامحها وتحدياتها، وتجعل كل مواطن يتوجه إلى صناديق الانتخابات دون تردُّد، حتى يختار الأنسب لهذه المرحلة التي تُؤسِّس مستقبل البلاد ولكل الأجيال. وقد يكرِّر مجلس الشورى نفسه مجددًا كمصنع من مصانع "الاستوزار"؛ لذلك على المجتمع أن يقدم أفضل أبنائه، وأنسبهم صلاحية لهذه المرحلة الوطنية؛ فهل اقتنعتُم لماذا يجب الكل أن يُشارك في الانتخابات يوم 27 أكتوبر الجاري؟