لماذا نجحت اليابان؟!

 

د. صلاح حزام| العراق

salah.hizam@yahoo.com

 

قبل سنوات صدر باللغة الإنكليزية كتاب ممتاز تحت عنوان(لماذا نجحت اليابان ....التكنولوجيا الغربية والروح اليابانية). ومؤلف الكتاب هو أستاذ ياباني في علم الاقتصاد يعمل في مدرسة لندن للاقتصاد يدعى موشيو موريشيما, وله مؤلفات محترمة في علم الاقتصاد تؤكد جدارته في تناول التجربة اليابانية بالتحليل؛ فهو ليس مجرد ياباني يراقب ما يحصل في بلده ويخبرنا عن مشاهداته؛ بل هو عين خبيرة تفهم دلالات الأشياء والعلاقات السببية بينها. 

إنني عندما أسوق هذه المقدمة المختصرة فإنما أسوقها لبيان الشرعية التي تتمتع بها آراء هذا الرجل ومدى واقعيتها. 

يوفر الكتاب تفسيرا جديدا للنجاح الحالي الذي تشهده اليابان. فعن طريق وضع الصعود الياباني في إطار تطوره التاريخي, فإن الكاتب يبين لنا كيف إن التمسك القوي بالروح القومية بتفاعله مع الأفكار الدينية والاجتماعية والتكنولوجية المستوردة من كل مكان, يمكن أن ينتج خصائص فريدة.

وفي الوقت الذي يتتبع الكاتب جذور اليابان الحديثة وصولا إلى بدايات دخول الكونفوشيوسية والتاوية والبوذية من الصين في القرن السادس, فإنه يركز دراسته على نحو خاص على المئة والعشرين سنة الأخيرة من عمر اليابان والتي كان لليابان خلالها احتكاك مكثف مع الغرب.

يقدم موشيو موريشيما لنا وصفا للصعود السريع لليابان إلى مرتبة الدول من الصف الأول على أثر ما يعرف بثورة ميجي عام 1867 والتي جعلت اليابان تكسر تاريخا طويلا من حاجز العزلة التي فرضتها على نفسها.

إن ذلك عبَّد الطريق لتبني التكنولوجية الغربية وإلى خلق أمة عصرية تأخذ بالطراز الغربي وكذلك كان لها الفضل في نهوض اليابان البالغ السرعة من دمار الحرب العالمية الثانية. ويستعرض الكاتب مجموعة من العوامل التي ساهمت في النجاح الاقتصادي الياباني من أهمها:

  1.  الاستجابة لمتطلبات المؤسسات مختلفة الأحجام (كبرى وصغيرة ومتوسطة).
  2.  العلاقة بين الحكومة والمؤسسات الكبرى.
  3.  الاستقبال الفاتر في اليابان لمفاهيم الليبرالية والفردية.
  4.  قوة الشعور القومي الياباني.
  5.  ومن أهم العوامل التي ركز عليها الكاتب هي الكيفية التي أقيمت بموجبها الرأسمالية اليابانية والتي استندت على مبادئ أخلاقية تتلاءم مع الظروف اليابانية وخاصة مع تقاليد الكونفوشيوسية اليابانية التي تفرض الولاء التام للمؤسسة والدولة.

وتجنبا للإطالة سوف أختار مجموعة من الملاحظات الختامية المستقاة من الكتاب والتي أرى أنها ذات أهمية للقاريء:

  • في عام (1258) وهي السنة نفسها التي سقطت فيها بغداد على أيدي المغول, حيث تبنت اليابان نظام يشبه نظام مجلس الخدمة العامة الذي كان في العراق وأُلغي في السبعينيات من القرن العشرين. هذا النظام يستند إلى فلسفة وضع الشخص المناسب في المكان المناسب, حيث كان يعلن عن كل الوظائف, عدا وظيفة الإمبراطور, وتطرح للمنافسة بين جميع المواطنين عن طريق الاختبارات لاختيار الأفضل بغض النظر عن طبقته الاجتماعية. حيث إن المواطن من الطبقة الدنيا قد ينجب ابنا يستحق العمل في أعلى المراتب والعكس صحيح أيضا. وهذا يتفق مع المباديء الأفلاطونية التي تصنف الناس إلى معادن لكنها تقرُّ بإمكانية المعادن الرديئة. وبالتالي تلغي التوريث وتسمح بما يعرف في الأدب السياسي الحديث (الحراك الاجتماعي). وكان الإعلان يتم عن طريق تجوال الموظفين المكلفين بالإعلان في الطرقات وضرب الطبول للفت انتباه الناس ومن ثم قراءة الإعلان عن الوظيفة على الملأ بصوت عالٍ!!. وأعتقد أن هذه قد تكون من بين أهم أسباب النهضة اليابانية. فليس أخطر من وضع الأشخاص غير المناسبين في أماكن غير مناسبة.

 

  • تحرم الكونفوشيوسية "الشك" !!حيث لايجوز لأحد أن يشك في أحد آخر ويسكت؛ بل يجب عليه دينيا أن يذهب ويخبره بشكوكه فيه. إن ذلك المبدأ العظيم سوف يمنح الناس الفرصة للدفاع عن أنفسهم وكذلك لا يسمح بنمو وتراكم الضغينة بين الناس. وفي هذا المبدأ صحة روحية وجسدية هائلة نظرا لما تورثه الضغينة من أذى!!

 

  • الحضور الواضح للمباديء الأخلاقية للكونفوشيوسية في ميدان الأعمال من حيث عدم الغش لأنه محرم وكذلك تقديس العمل وتحريم عدم الإخلاص في العمل والولاء للمؤسسة وعدم الاستعداد للتنقل بين المؤسسات بحثا عن أجور افضل لأن ذلك يثلم شرف المهنة للشخص.

 

تعليق عبر الفيس بوك