لا باحثين عن عمل بعد 3 سنوات

 

د. عبدالله باحجاج

لو استطلعنا الرأي العام على التساؤل التالي: هل يمكن أن تتمكن المنطقة الحرة بصلالة لوحدها فقط، من أن تحل قضية الباحثين عن عمل في ثلاث سنوات فقط؟ نطرح هذا التساؤل في ضوء الطموح الكبير الذي أطلقه للعلن مؤخرا علي تبوك الرئيس التنفيذي للمنطقة الحرة بصلالة، فماذا ستكون الإجابة؟

وحتى نكون أقرب للموضوعية في ردنا، فقد طرحنا التساؤل على مجموعة من متابعينا، فكانت إجابة أكثر المتفائلين "الاستحالة" وهو تفاؤل مثالي جدا، أثار ردود فعل عكسية مما يدفع بنا إلى إخضاعه لمنطق التحليل المُقارن مع الاحتفاظ بتفاؤل التصريح الذي يخرج من ركام اليأس.

لذلك، يقودنا التحليلي الموضوعي لهذا التصريح إلى طرح تساؤلات منهجية حول قضية الباحثين في سياقاتها المفاهيمية المتعارف عليها، أهمها:

* كيف ستتمكن المنطقة صلالة الحرة لوحدها من أن تحل هذه القضية وخلال أجل قريب؟

* وما هي طبيعة وحجم الاستثمارات الجديدة التي يُراهن عليها التصريح لاستيعاب كل الباحثين عن عمل، خاصة وأن معظم هذه الاستثمارات لا تزال ورقيا؟

في طرح الرئيس التنفيذي للمنطقة الحرة جوانب موضوعية علينا استجلاء بعضها، أبرزها الرهان على المشاريع الاقتصادية المنتجة لفرص العمل، وهذا في حد ذاته نهج في المسار الصحيح يحسب لصالحه في وقت يخفت فيه مثل التفكير عند الكثير من النخب التي تتولى إدارة اقتصادنا الوطني، ولو كان سائدا في كل مساراتنا واختياراتنا الاستثمارية والاقتصادية والتجارية، لما أصبحت بلادنا تعاني من قضية الباحثين عن عمل، ولا ينبغي أصلاً أن تثار كقضية قياسا بحجم تعداد سكاننا والمشاريع الاقتصادية العملاقة في البلاد، وهنا خلل، ينطلق منه الرئيس التنفيذي للمنطقة الحرة بصلالة، لإيمانه بدور المشاريع والنمو الاقتصادي في توليد الوظائف، بدليل أنه ربط الحل بحزمة استثمارات جديدة في المنطقة الحرة.

لكن الرهان على المنطقة الحرة لوحدها، وخاصة في ظل معطياتها الراهنة، يحتاج لنقاش معمق، وفي هذه العجالة ينبغي الإشارة إلى أن إمكانية الرهان على المنطقة الحرة بصلالة ولوحدها سيكون مرتبطا بتطوير وتفعيل مشاريع ومرافق تقع في دائرة المحيط الجغرافي والمصالح المتكاملة مع المنطقة الحرة بصلالة، ونخص بالذات هنا ميناء صلالة للحاويات ومطار صلالة، فهل سيشهدان في المقابل المتزامن تطورات تواكب انفتاح المنطقة الحرة نحو الاستثمارات الأجنبية الجديدة؟

كأن يكون مطار صلالة دوليًا، وبكامل خدماته الأرضية، ومفتوحًا على السماوات الإقليمية والعالمية، وكأن نشهد تسهيلات ومرونة في النقل البحري عبر ميناء صلالة للحاويات تشجع حركة الصادرات والواردات عوضا عن التعقيدات الراهنة؟

ولن نصل لتوظيف 21 ألف باحث عن عمل، مستهدف في التصريح خلال ثلاث سنوات فقط، إلا إذا ما ربطت موانئ البلاد والمناطق الحرة بشبكة قطار قد أصبحت الحاجة الاقتصادية لها ملحة وعاجلة، وفي الوقت نفسه تطوير المنطقة الحرة بالمزيونة لمواكبة توجهات العالم الجديد نحو القرن الأفريقي.

تساؤلات وإجابات، تحاول أن تضع تفاؤل الرئيس التنفيذي للمنطقة الحرة في سياقات تحقيقه، لأنه دون ذلك، كيف يعول على منطقة حُرة تعاني من التواصل الديناميكي والمرونة مع العالم الخارجي ومع محيطها الوطني بحرا وجوا وبرا، أن تحل لوحدها قضية الباحثين عن عمل؟ بمعنى أنها لا تتوفر لها الإمكانيات اللازمة للانفتاح الداخلي ولا الخارجي من خلال منافذنا المختلفة، ودون ذلك، كيف يمكن الرهان على حزمة جديدة من الاستثمارات للمنطقة الحرة رغم أهميتها؟

وبصراحة منذ تولي تبوك المسؤولية في المنطقة الحرة، والاستثمارات الأجنبية تتوالى للمنطقة، لكن، كيف سيتم التصدير في ظل تعقيدات النقل البحري والجوي والبري؟ ربما علينا "قريبا" التواصل مع الرئيس التنفيذي لكشف ملابسات القضايا التي تطرحها تساؤلاتنا السابقة، وحتى ذلك الوقت، فإن تحليلنا العقلاني، يجعلنا كذلك، نعتمد هنا على التحليل المُقارن، ومنه نتوصل إلى مقارنة عملية ومنطقية جديرة بالطرح، وهي كيف لنا أن نقارن بين إمكانيات المنطقة الحرة بصلالة وإمكانيات المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم؟ وإذا كان طموح المنطقة الحرة بصلالة لوحدها سيحل قضية البلاد الأولى خلال ثلاث سنوات فقط من خلال حزمة استثمارات جديدة، فكيف لم تحل منطقة الدقم هذه القضية حتى الآن؟

فمنطقة الدقم تستحوذ على نصيب كبير من موارد الدولة منذ عشر سنوات، ومخطط لها أن تكون بوابة البلاد على العالم الخارجي، كمركز اقتصادي لوجستي، وبها مطار إقليمي واعد ضمن شبكة نقل متعدد الوسائط ستكون الأكبر في الشرق الأوسط، وبها مدينة عالمية وخدماتها المتعددة.. إلخ وهي الأجدر، والممكن، والأولى بحل قضية الباحثين عن عمل ولوحدها.

مقاربة عقلانية توازي مقاربة المنطقة الحرة بصلالة، وتتفوق عليها في إمكانية الحل، كما يتوازى الحديث كذلك مع مقاربة المناطق الحرة في بلادنا وإمكانية حل قضية الباحثين عن عمل، فكيف ستتمكن المنطقة الحرة بصلالة لوحدها من حل قضية الباحثين عن عمل في وقت عجزت فيه المناطق الاقتصادية والحرة الكبيرة في البلاد عن القيام بذلك؟

كما إنَّ قضية إعداد الباحثين عن عمل وهم أكثر من 21 ألف باحث، لم تحسم بصورة أكثر دقة ومتفق عليها، وتظل اجتهادات التوقعات تذهب يمينا ويسارا، ما بين أكثر من 50 ألفا و100 ألف باحث.

ومهما يكن، فإنَّ تصريح الرئيس التنفيذي للمنطقة الحرة بصلالة، يفتح لنا باباً لإعادة التفكير في حل قضية الباحثين عن عمل دفعة واحدة من خلال البحث عن فرص عمل جديدة في المشاريع الضخمة القائمة حاليًا، وتلك التي ستنشأ خلال الثلاث سنوات المقبلة، كسقف مستهدف نهائي، كتحدٍ يستنهض الجهود الحكومية والخاصة لحل هذه القضية كأولوية عاجلة، يؤفر لها الإطار المؤسسي المؤقت، والفاعل من حيث أطره وكوادره وديناميكيته، بمعزل عن المركز الوطني للتشغيل الذي سيباشر عمله في عام 2020، على أن تكون مهمة المركز التخطيط للفرص لما بعد تشغيل الأعداد الحالية.

فالأعداد الحالية، تضغط على مرحلتنا الوطنية الراهنة بقوة غير عادية، لذلك تستوجب إدارة استثنائية، وحلولا موضوعية تستوعبها الحاجة الفعلية للشركات الحكومية والعمومية والخاصة الكبيرة سواء في منطقة الدقم أو المناطق الحرة في البلاد أو موانئ البلاد البحرية والجوية، حتى لا نكرر نهج التوظيف عام 2011. ويقينا أننا سنجد لأعداد الباحثين عن عمل فرص عمل على المدى القصير وليس المتوسط إذا ما أخلصنا العمل، وتمكنا من فتح القلوب قبل أبواب الشركات، فما ذكرناه من مرافق ومشاريع اقتصادية ضخمة يفترض من حيث المبدأ ألا يكون عندنا إشكالية مع الباحثين عمل.

بل إنها – أي الأعداد – يمكن أن تستوعبها منطقة الدقم لوحدها بمشاريعها العملاقة كمصفاة النفط، قاطرة التنمية الاقتصادية في المنطقة، إذا ما رفعنا هاجس التوظيف فيها، التلقائي للمؤهل، مع التدريب لمن يحتاج لرفع كفاءته، فكيف بالحديث عن المناطق الحرة والموانئ؟ من هنا نكون قد أطرنا تفاؤل الرئيس التنفيذي لميناء صلالة، وحولناه من إطاره المحدود المختلف عليه، إلى إطار عام متفق عليه من حيث إمكانية الحل في الأجل المأمول والممكن، وهذا ليس نظريًا، بل تمليه الواقعية والبراجماتية، فلنبدأ الخطوة الأولى، وسنرى النتائج تتوالي تباعاً، وإلا فما الحل؟ لا يمكننا اعتبار الوضع الحالي مثالياً، وفي مستوى التفاعلات التي تحدث تحت السطح، فهذا غير مطمئن أبدًا.

ومن هنا أقترح عقد ملتقى وطني لكبرى الشركات وعمالقة المرافق الاقتصادية في البلاد لبحث قضية استيعاب أعداد الباحثين عن عمل بصورة فعلية دون أن يكون التوظيف عالة عليها، وتشكيل لجنة تضم أطرافا حكومية وأهلية ومن القطاع الخاص تتولى بنفسها عملية التوظيف الممنهج بمدة ثلاث سنوات فقط، وذلك حتى نبعث برسائل التفاؤل المضمون للباحثين عن عمل، وهذه بقدر ما هي مقاربة عملياتية، لكنها في الوقت نفسه تحرك الجمود أو تدفع بوتيرة السير البطيء لحل القضية، وفي الوقت نفسه تضمن تهدئة التفاعلات في طورها سالف الذكر.