"مجلس أعلى للثقافة" الكتاب أولا

 

مسعود الحمداني

 

ثقافة القراءة لدينا- كشعوب- تأتي في مكان متأخر، فنحن شعوب لا تقرأ، وليس من أولوياتها القراءة لذلك تجد الأمية متفشية بيننا حتى وإن كان لدى الكثيرين شهادات جامعية، فهذه الشهادات لا تعني غير أنَّ صاحبها كان "حافظا" من الدرجة الأولى لكتبه الدراسية، لكن توقف نموه المعرفي والقرائي والثقافي بعد تخرجه؛ حيث دخل معترك الوظيفة ولم يتقدم فكرياً قيد أنملة، لأنَّ الكتاب بالنسبة له أصبح من لزوم الماضي، ولم يعد له أي وظيفة بعد الدراسة.

هذا الواقع المرير أسهم في صناعته مجموعة عوامل منها ما هو شخصي، ومنها ما هو جمعي، فالدولة التي تصرف الملايين على التعليم والبحث العلمي لا تهتم بما فيه الكفاية بالكتاب، ولا تعترف به إلا كمصدر يخدم مصلحتها الرسمية، فهي مستعدة لطباعة كتاب يحمل سيرة رجل ديني أو سياسي من الماضي لا يضيف قدر ما أضاف، ولكنها لا تكبد نفسها عناء ترجمة رواية لأديب عالمي، ولا تعير اهتمامًا لكتاب فكري مُعاصر، وغير مستعدة لوضع استراتيجية لزرع ثقافة القراءة والتأليف.

وفي السلطنة لدينا العديد من المؤسسات التي تعتني بالثقافة كوزارة التراث والثقافة، ووزارة الإعلام، ومركز السلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم وغيرها، غير أنَّ كل هذه المؤسسات تكاد تكون غائبة عن صنع سياسة ممنهجة للكتاب، رغم وجود مسابقات هامة يُرصد لها جوائز ضخمة كجائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب، ومهرجان الشعر وغيرها، إلا أنَّ كل هذه المسابقات هي مجرد مناسبات وقتية يُقام بعضها كل سنتين، وتعود جوائزها لشخصية معينة، ولا يخدم الطيف الاجتماعي الكلي، ولا يكرس سوى الاشتغال الذاتي على الجائزة، ولكنه لا يؤسس لمجتمع قارئ.

ما أود طرحه هو ضرورة وجود مبادرة حكومية طموحة للقراءة والترجمة تقوم بها المؤسسة الرسمية ممثلة في "مجلس أعلى للثقافة" يمسك بزمام كل الخيوط الثقافية والأدبية المتشظية حاليا في أكثر من مؤسسة، تكون مهمته الأساسية هي خلق حركة قرائية ومعرفية وطنية شاملة، تعكف على ترجمة الكتب الفكرية والأدبية العالمية، وتطرحه على شكل "كتاب شعبي" رخيص وغير مكلف ومتاح للجميع، يوزع في المدارس، وفي المكتبات العامة والخاصة ليكون في متناول الصغير والكبير، وهي فكرة قامت في دول عديدة وأنتجت آلاف المؤلفات والكتب التي أسهمت في تطور الفكر العالمي، واستطاع من خلالها القارئ البسيط أن يشتري كتابا غالي العطاء، بثمن زهيد، فالملايين التي تنفق في تطوير البنية التحتية، والبناء والتعمير المادي يجب أن يوجه جزء منها لتطوير الفكر الإنساني، وبناء العقل والمواطن.

وتقوم وزارة التراث والثقافةـ وهي المؤسسة الأولى المعنية بنشر الكتاب- بـ"إعادة" طباعة الكتب التاريخية والسياسية الخاصة بالسلطنة، غير أن معظم تلك المؤلفات "المنقحة" و"المهذبة" لا تتعدى كونها كتبا تخدم التوجه الرسمي، ولا تخدم السواد الأعظم من الأجيال الجديدة، وهي مكدسة في مكتبة الوزارة، وتكاد تكون منسية هناك، كما أن ميزانية الثقافة لديها ميزانية شحيحة لا تكاد تغطي فعالياتها القليلة.

لذلك.. آن الأوان أن تضع الحكومة استراتيجية طموحة وواضحة المعالم من خلال "مجلس أعلى للثقافة" لوضع الكتاب كأولوية وطنية، تعكس الروح الحضارية التي قامت عليها النهضة العمانية، وأن يقوم هذا المجلس بدوره التنويري في نشر ثقافة القراءة والتأليف والمعرفة، حتى لا نجد أنفسنا ذات يوم في مواجهة أمية قرائية عامة لا نستطيع مواجهتها، وتعيدنا إلى الوراء مئات السنين.