الصحافة بين "مقص الرقيب" وقضايا الوطن

 

مسعود الحمداني

الحديث عن حرية الصحافة في السلطنة حديث شائك ومُتشابك، فالصحافة هي مرآة الحكومة، ومنارتها، ومُعينها على كشف الخلل، ورقيبها عند الزلل، وهي نافذة المواطن، وطريقه لفهم ما حوله، وكلما كانت الصحافة ناضجة، ومهنية، وقادرة على لعب دورها كلما كان الطريق نحو المُستقبل أكثر وضوحًا ورؤية.

والسؤال هنا: هل توجد لدينا حرية التعبير في الإعلام؟ وهل يمارس الصحفي والكاتب دوره بشكل حقيقي؟ وما هي مرتكزات الحرية الصحفية لدينا؟

الحقيقة أن قانون المطبوعات والنشر، والقوانين الناظمة للحريات في السلطنة تؤكد على حرية التعبير والكلام، لكن ضمن حدود معينة وأساسية لا يختلف عليها اثنان، وهي عدم المساس بالذات الإلهية، وذات السلطان، والدين والمذاهب واللحمة الاجتماعية، وغير ذلك من ثوابت وطنية ودينية واضحة وثابتة، وهي أمور مُتفق عليها لا يحيد عنها معظم الكتّاب والصحفيين.

غير أنَّ بعض القنوات الإعلامية والصحفية تضيّق واسعا، وتهبط بسقف الحريات إلى ما دون الطموح، وذلك من خلال "مقص الرقيب" الذي يمتلكه المسؤول عن هذه القنوات، والذي يمثّل "شرطيّا" يجول في رأس كل واحد منهم، ويجعله يتربّص من كل حدب وصوب، فيقص ما لا يلائمه، ويتدخل فيما يطرح، وقد يحوّر فكرة الكاتب، وهو بذلك يطبّق سياسته الخاصة، وليس سياسة الدولة، ولا يحتكم إلى قوانين النشر الخاصة بالصحافة، والتي فيها مجال واسع ورحب لكل صحفيّ مهنيّ، لذلك يهرب البعض من الكتابة في الصحف الورقية، والإعلام التقليدي سواء الحكومي أو الخاص إلى رحاب وسائل التواصل الاجتماعي؛ حيث تقل الرقابة، وتتسع دائرة العبارة، ويطرح من خلالها من شاء ما شاء دون وجود شرطة رقابية، هذا بالطبع مع الإبقاء والالتزام بقيود ومحددات الكتابة القانونية، وفي كل الحالات لا يطاردهم أحد، ولا يقف على رأسهم طائر الرقابة بعباءته السوداء، والسؤال هو: ما الذي يخيف رئيس تحرير صحيفة ما أو صاحب وسيلة إعلامية معينة من الكاتب إذا كان ما يطرحه يقع ضمن سقف حرية التعبير التي كفلها القانون؟

إنَّ العلاقة بين الكتابة والفساد علاقة عكسية، فكلما زادت مساحة حرية الصحافة ضاقت مساحة الفساد، وكلما ضاقت المساحة زاد الفساد وشاع، لذلك فمن واجبات الصحافة والإعلام بشكل عام أن ترفع من قدرها، وقدرتها، وهيبتها، وأن تترك خلفها آثار الصحافة التقليدية التي اتسمت بها مرحلة من عمر النهضة لأسباب نتفق معها أو نختلف، وأن تطرح نفسها كشريك رقابي وفاعل في صناعة المستقبل والوطن، أما أن تغلق الأبواب على نفسها، وتشيح النظر عن قضايا الفساد أو القضايا الاجتماعية التي تشغل الناس، وتصفق لكل ما هو حكوميّ سواء أصاب أو أخطأ فإنَّ ذلك معناه دمار الصحافة، وإفراغها من رسالتها، وتراجع الحريات، وعند ذلك سيتجه القارئ للبحث عن البديل في وسائل أخرى، وستخسر الصحافة معركتها الوجودية للبقاء على قيد الحياة، والتحوّل لاحقاً إلى صحافة إلكترونية لديها القليل من القيود والكثير من الحرية التي قضت عليها على يد رقيب لا يضع الأمور ضمن نصابها القانوني الصحيح، ويعتقد أن "الصحفي متهم حتى تثبت براءته"، رغم أن القانون الذي ينظم العملية الإعلامية والصحفية واحد!

إنَّ الصحفي أو الكاتب حين يتناول قضية ما ضمن نطاقها القانوني لا يعني ذلك أنه ضد الحكومة، بل هو يمارس حريته- كمواطن- لتسليط الضوء على بقعة يراها هو معتمة، وعلى الجهات المسؤولة إضاءة تلك العتمة من خلال ردها أو إجراءاتها، فكل المواطنين يسعون إلى بناء هذا الوطن، وكشف بؤر الخلل فيه، ولا يعني الإشارة إلى مسؤول معيّن مثلا انتقاصاً من قدره أو شخصنة للقضية، بقدر ما هو نقد لأدائه، وهو ما يحرص عليه حضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم- حفظه الله ورعاه-، وتحرص عليه الحكومة والأجهزة الأمنية والرقابية كذلك، لأنه يعينها على البحث عن مواضع الإخفاق- إن وُجدت-.

لذلك ومن أجل وطن أكثر إشراقاً، ولمستقبل أكثر ثقة، على الإعلام والصحافة أن تكون أكثر شجاعة وجرأة في المرحلة القادمة، وأن تخرج من قمقمها الضيّق إلى مساحات أوسع وأرحب، وأن تترك الحكم في كل ذلك إلى "القوانين" المنظمة والضامنة لحرية الصحافة، ويجب أن تتسع أعين الرقيب أكثر مما هي عليه حالياً لأنه يسيء من حيث لا يدري للحرية التي كفلها القانون، وإلا فلتتمسك- هذه الصحافة- بـ"مقص الرقيب" وتمارس سلطتها الانتقائية بدلا من سلطتها الرقابية، وحينها لن يكون هناك داعٍ لـ"سلطة رابعة" وهو ما يريده المفسدون في الأرض.