محاسبة المسؤول

حميد بن مسلم السعيدي

في الوقت الذي يمرُ به الوطن بأزمة مالية دفعته إلى اتخاذ العديد من الإجراءات التقشفية تأثر بها المواطن أولاً نتيجة للارتفاع الكبير في رسوم الخدمات، مما انعكس على التضخم وارتفاع الأسعار وزيادة الأعباء المالية التي تقع على عاتق المواطن، ومع كل ذلك وقف المواطن بجوار الوطن وسانده في محتنه المالية، لا لشيء إلا حباً في عُمان؛ حيث اتجهت الحكومة إلى رفع الدين العام والذي تجاوز أكثر من 15 مليار ريال عُماني، مما دفعنا لوضع أيدينا على قلوبنا، في ظل هذا الارتفاع الكبير في الدين العام، وكيف تعمل الحكومة على معالجته مستقبلاً، في ظل وجود قراءات قادمة لا تُبشر بالأخبار الإيجابية في أسعار النفط.

هذه الأزمة المالية يُعاني منها العديد من دول العالم، ولكنها تبحث عن الحلول وتعتمد على استغلال الفرص، وإيجاد بدائل اقتصادية وصناعات مُتقدمة توفر دخلا ماليا، وتعمل على توظيف الباحثين عن العمل، فهي لا تظل في ذات المستوى دون حراك هادف؛ ولكن الوضع عندنا مختلف فنحن لا نرى بوادر حقيقية لإيجاد بدائل لمُعالجة الأزمة الاقتصادية سوى رفع الضرائب وارتفاع الدين العام، ومع ذلك فإنَّ الأمر يعد طبيعيا فنحن كمواطنين ما زلنا صامدين في ظل الأوضاع الاقتصادية ونقف بل وسنظل داعمين للوطن بصورة مستمرة.

في كل هذه الظروف والأوضاع الاقتصادية هناك بعض المسؤولين لا يراعون هذا الجانب، ولا يُقدرون قيمة ما يتوفر لديهم من مال عام، أو يدركون حجم الثقة والأمانة التي منحت لهم، لذا نشهد العديد من الإخفاقات والفشل في الكثير من المشاريع الوطنية، والتي يفترض أن تحقق عائداً مادياً وتعمل على توفير فرص العمل للشباب العماني، ولكن ما نشهد هو عكس ذلك تمامًا، سوء استغلال للمال العام، مما يجعلنا نصيغ الشكوك والافتراضات لماذا هذا العبث بالإنفاق في المال العام؟ ومن المستفيد من هذه الخسائر المادية؟

فالوطن لم يعد يتحمل المزيد من الإخفاقات، والمواطن غير قادر على التكلف النفسي لما يراه من سوء استغلال لأموال وطنه، خاصة عندما يتعلق الأمر بالعديد من المشاريع التي يفترض أن يستفيد منها المواطن، فنحن نشاهد ونستمع بصورة مستمرة تسلسل الإخفاقات في المشاريع التي كان يعول عليها لتحقيق عوائد مادية ومساندة الدخل الاقتصادي، فهذا مشروع الواجهة البحرية لميناء السلطان قابوس يدخل عامه الرابع دون بصيص أمل لمُعالجته في ظل وجود شكوك كبيرة تم طرحها في مجلس الشورى، مع صمت مُريب من الجهات المختصة والمشرفة على هذا المشروع، خاصة وأنَّ الشركة التي تديره مازالت في قائمة الأوهام، كما أن مشروع الألبان في ولاية السنينة والذي كان المواطن ينتظر منه أن يحصل على غذائه من منتج عُماني، دخل في قائمة المشاريع المتعثرة أيضًا والذي كلف الوطن ملايين الريالات، في ظل وجود شكوك أيضًا طرحت على الرأي العام، من أعضاء مجلس الشورى، وهذه الشكوك تثبت صحتها تدريجيًا. وهناك مشاريع أخرى مُتعثرة ما زال بعضها يتكبد خسائر كبيرة على حساب المواطن، فالطيران العماني كشركة وطنية ما زالت تتكبد مزيداً من الخسائر السنوية، في حين أن هناك شركة خاصة للطيران تحقق أرباحًا، فأي تناقضات نعيشها؟!

يأتي كل ذلك في ظل استمرار عدم الاستفادة من الموانئ العُمانية والتي تقع على أهم طرق الملاحة العالمية، ورغم كل التسهيلات التي قدمت لها، والبنية التحتية التي تم توفيرها في هذه الموانئ إلا أنها لم تحقق الهدف والغاية منها، وظلت تعمل على أبسط المشاريع الاقتصادية، مما يضعنا أمام تساؤل مهم جداً: لمصلحة من تعطل هذه الموانئ؟ وهل ما يثار بالرأي العام من شكوك صحيحة أم أنها من الأوهام؟

في ذات الاتجاه يأتي التعليم كأحد الأساسيات التي يعتد بها في الإصلاح والتطوير، ولكنه يمر بأزمة كبيرة، فهو لا يُحقق كل النتائج المرجوة منه، ويعاني في بعضه من الفساد الإداري والمالي وما قضية الاختلاسات ببعيدة عنَّا، وهي أموال كان يفترض أن تذهب لصالح مسيرة التعليم، في وقت نشهد تراجعًا في بعض جوانبه، مما يُؤثر بشكل كبير على مستقبلنا، فالجميع ينتظر تلك المخرجات التعليمية التي يُعول عليها للنهوض بالوطن وتطوره.

أما القطاع الاقتصادي بصورته العامة، فيشهد تراجعاً كبيراً ولا توجد مؤشرات على تطور في أدائه ونموه.

أما المؤسسة المعنية بتوظيف الشباب فهي ما بين شد وجذب، ما بين تقديم بيانات مغالط فيها تتناقض مع الإحصائيات الحقيقية، وما بين ضعف قدرتها على تطبيق القوانين والأنظمة المرتبطة بخطط التعمين، فمؤسسات القطاع الخاص الكبيرة تُعتبر مؤسسات لا يمكن الاقتراب منها أو فرض القوانين عليها إلا من الجوانب السطحية، بل ويعمل بعضها على مخالفة القوانين وضربها عرض الحائط، مستفيدة من كل الخدمات التي تقدم للقطاع الخاص، وترفض في ذات الوقت توظيف الشباب العماني.

إننا نقف اليوم أمام مرحلة مهمة جداً، لا يُمكن القبول باستمرارها في ظل وجود خسائر كبيرة في المشاريع بعدد من القطاعات، فالوطن يمتلك من القدرات والكفاءات الوطنية القادرة على إدارة هذه المؤسسات وتحقيق عوائد مادية من المشاريع المبتكرة، ولكن أن نظل دون قانون للمحاسبة أمر غير قابل للاستمرار. وفي ظل كل هذه الظروف فإنَّ محاسبة المسؤولين أو إيجاد الكفاءات الوطنية أصبح مطلبا وطنيا، فالوطن بحاجة إلى استغلال كل الموارد البشرية والمادية بمستوى عالٍ من الكفاءة ولا يمكن القبول في الوقت الراهن بمزيد من الإخفاقات.