يوسف عوض العازمي
"لم أسمع بأي مجتمع في التاريخ قد عانى لسبب أن ناسه أصبحوا عقلانيين أكثر من اللازم ". سام هاريس.
سؤال يتكرر في العديد من المقالات والأبحاث والندوات ذات الطابع التاريخي، وهو: ماهو الفرق بين الفتح الإسلامي والاستعمار؟
لنعرج أولاً على شأن الفتح الإسلامي، فهناك من المؤرخين من لايحمل قناعة في لفظ "الفتح" بل يرى تشابهاً مع الغزو أو الاحتلال لأسباب توسعية أو سياسية أو اقتصادية، وهناك من يرى أن لفظ أو مفردة "فتح" فيها رومانسية أكثر منها كدلالة على دخول المسلمين لبلد ما، أوغزوه أو احتلاله.
في هذا المقال سأتطرق لأمثلة محدودة، تعطيك عن هذا وتنبؤك عن ذاك، سأحاول الحياد قدر الإمكان، وأقف أمام المعلومة بتجرد، سواء مع الاحتمالين، لكني أكتب مقالا يحتمل كل شيء، وليس بحثا علميا محكما، لذا سيكون المجال محدودا بحسب مساحة المقال، ومسافة السفر إلى هذه المعلومات التاريخية التي تتداخل بها السياسة رغما عنها، فالتاريخ والسياسة لايفترقان.
كان المسلمون يريدون فتح بلاد المغرب لنشر الإسلام وحماية أراضيهم من هجوم البيزنطيين، الذين كانوا يسيطرون على بلاد المغرب،هذا من جانب الفتوحات الإسلامية، أما من حيث الاستعمار، فقد قامت فرنسا باحتلال الجزائر لتكوين إمبراطورية لها، في تلك البلاد التي تقع في شمال أفريقيا، بهدف أولي وهو تطوير اقتصادها، ومن ثم تطور الهدف ليذكر لنا التاريخ إحدى أبشع قصص الممارسات الوحشية واللا إنسانية التي تعرضت لها الشعوب.
أما إن قارنا ماهية الفرق بين الفتح الإسلامي والاستعمار؟ فكما أرى أن الفتح الإسلامي هو الأفضل، لأنه أولاً لنشر دين سماوي له منفعة للناس، بحيث ينظم حياتهم إلى الأفضل دون أي مصلحة، أما الاستعمار إنما هو أساساً منفعة للدولة المستعمرة لنشر ثقافتها وتطور اقتصادها وتحقيق المصلحة الخاصة بها، قبل أي مبادئ أخرى.
قام معاوية بن حديج بتأسيس مدينة القيروان، لتكوين جيش إسلامي جنوده مسلمين، ثم أصبحت المدينة حضارية وتعمرت بالسكان قبل سنة 55هـ. كما أمر حسان بالقيام على إصلاح الأراضي قام بإنشاء حوض لبناء السفن في مدينة تونس، كما ضمّ البربر للجيش وأمر للفلاحين باستصلاح أراضيهم حتى نظم ورتب المدينة. ثم توجه قتيبة إلى مدينة كشف ونسف في سنة ٩١هـ لتعليم أهل البلاد دينهم وتنظيم حياتهم إلى الأفضل، ثم وضع أربعة آلاف جندي لحماية المدينة في وقت الصراع أو الحاجة. وقام محمد بن قاسم بفتح مدينة برهمان في ذي الحجة سنة ٩٣ هـ بعد أن حاصرها أشهراً ثم أعطى البلاد الأمان بحيث استمر العاملون في وظائفهم ثم أبقى فيها حماية عسكرية للحفاظ على المدينة.
ومن ثم قام محمد بن القاسم بإصلاح مدينة الملتان بعد أن حاصرها أكثر من شهرين ثم فتحها سنة ٩٤ هـ حيث نظم المدينة وعمَّر المدينة وقام ببناء المساجد وأعطوا أهلها الأمن والأمان. أما الاستعمار فبعد أن استعمرت فرنسا موريتانيا قامت بالعديد من الأساليب التي بها إهانة للشعب ولم يحترموا عاداتهم وتقاليدهم وحاربوا دينهم الإسلام كما حاربوا اللغة العربية ونشروا ثقافتهم ولغتهم الفرنسية كما قاموا بنشر المخدرات في البلاد وأهملوا الصحة والتعليم. كما تريد فرنسا استعمار دول تكون تحت سيطرتها لمصلحتها لكي تنشر ثقافتها الفرنسية وتشكيل حكومات لتكون السيطرة تحت حكم فرنسا.
لن أدخل أكثر في مضامين الفكرة والجواب على السؤال، وسأترك للقارئ الكريم مساحة يتفكر بها ويتساءل ويطرح الأفكار والعبر على طاولة الحوار التاريخي، حول سؤال يحتار فيه الكثير، وصعب أن يتجرد المؤرخ من خلفيته الثقافية عندما يبحث عن إجابة هذا السؤال!