محمد المسروري
سبق لي الحديث عن التوجه الأمريكي في جغرافية الخليج العربي ومحيطها، وقلت يومها أنّ الولايات المتحدة الأمريكية لن تخوض حربا على الجمهورية الإسلامية الإيرانية أو غيرها نيابة عن أحد، مهما بلغت الهدايا - وهي الهدف- قيمة تجاوزت مئات المليارات من حساب دولارات الولايات المتحدة الأمريكية، لقد جربت أمريكا بولاياتها المتحدة حربا نيابة عن متنفذي العرب ماليا وأهدافا ليكونوا هم المتقدمون بعد ذلك في تملك قرارات العرب باعتبارهم دولا كبرى بين الصغار بعد أن تم تحييد دور مصر باتفاقيات (كامب ديفد) ونوافذ المعونات المحسوبة، وبعد أن صرفوا مئات مليارات الدولارات كذلك لتدمير اليمن بغية إنهاكها عسكريا واقتصاديا، وقتل روح الشموخ والشهامة التي أظهرها علي عبدالله صالح في أحد احتفالات اليمن بعيدها الوطني، فهم الآخرون كثيرا مغزًى لها رامه أو لم يكن في حساباته، ولكنها أخذت في حسابات أصحاب الشأن، فكانت لعنة على الوطن اليماني بدلا من أن تكون سورا لحمايته، رسخت الأهداف الحقيقية لبث الفتنة بين أفراد شعبها والتحكّم في مفردات عيش أبناء شعبها ليكون المعتدون هم المعطون والمنفقون والمسيطرون على مفاصل الوطن اليماني، وهم وحدهم لهم حق السيطرة على المكون الشعبي والجغرافي اليمني، بإرادتهم تُدار الأمور في اليمن (التعيس) وبأفكارهم توجه في يمن فقير منهك اقتصاديا واجتماعيا وصحيا، مطواع لإرادتهم كيفما يوجهونه يتجه، فإن شمالا فشمال وإن جنوبا فالجنوب يملكه خفير المال وصاحبه، وليس لهذا الشعب العربي الأصيل إلا السمع والطاعة لباذل المال، وكأنهم لم يتخلصوا من الاستعمار الإنجليزي بعد سنوات مريرة من كفاحهم الطويل ضده، ليدخلوا في دائرته مجدداً ولكن بأسلوب آخر حديث (هات من دمك وجهدك لتفقد وطنك ومجدك) فإذا باليمن اليوم متعلق بهامته ألف طامع ومتلبس في كل تفاصيل حياته ومكوناته.
المال المنساب الذي جاء بغير ما عناء أُسّه النفط، هذا النفط الذي حلمت به الشعوب العربية كلها من شرقها إلى مغرب الشمس عنها بأن يكون إنتاجه مصدرًا للرخاء والعيش الرغد وسيادة الأمن والحب والسلام بين كافة شعوب الأرض التي خلقها الله؛ لتكون سكنى طاعة له وحده عز وجل، فإذا بالشيطان وإيحاءاته للبشر ممن ضعف إيمانهم بالله وحده، فتولد لدى الصغار حب الجاه من أطفال سال المال بين أياديهم، اتجهوا إلى ليبيا بداية انتقامًا من رئيس قيل عنه يوما أنّه معتوه وغير متزن فكريا وعقليا، ثبت بعد مقتله بالطريقة المشبوهة والمقززة في الحين ذاته أنّه كان يفقه حالة أمة العرب، ويعي جيدا مكوّنات المجتمع الليبي وأطيافه وتشكلاته، قتل معمر بيد ومال العرب من خليج المال واستعانة ببعض الدول الأوروبية على رأسها فرنسا التي استقت من خزائن المال الليبي ليفوز رئيسها المرشح يوم ذاك، وبرغبة منه لإخفاء الحقيقة عن الشعب الفرنسي خشية انكشاف أمره، ثمّ اتجت اموال النفط السائبة إلى مصر المدجنة قبلُ أمريكيًا وإسرائيليا، لكنّ الشعب المصري تماسك بحكمة وحنكة ورثها منذ آلاف السنين؛ تماسك عن الانجرار إلى الفوضى غير الخلاقة، وفوت على باذلي المال كثير حكايا وإن قبل كل العطايا والهدايا، بل وضغط بكل قوة تجاه نيل المزيد، توجه سيل المال الخليجي بعد ذلك والدسائس التي استفاد من خلال علاقات مشبوهة مع دول تتبنى مطامع مشابهة لتوجهات المال إلى سوريا الرافضة لمرور خطوط النفط والغاز عبر أراضيها من الطامعين بالمجد والباذلين للعطاء الرخيص، وقيل من الأكاذيب وتحوير الحقائق حول أسد يحميها ويذود عنها بكل حكمة ودم، جلبت إلى ديارها شراذم الشر من كل بقاع الأرض وأفرغت سجون العرب بل والعالم كله من المجرمين المدانين بجرائم القتل والسلب، ليتوجهوا إلى سوريا، ومرة أخرى بأموال نفط الخليج قيل عنها أنها دولة فاسدة مع أنّها دولة عربية وحيدة غير مدانة للبنك الدولي، وتعيش على إنتاج أبنائها وثرواتها الزراعية والصناعية والفكرية والأدبية والنفطية كذلك، وُصمت سوريةُ بتلكما الصفات من المفسدين في الارض، وأنها بغيرما دستور يمنح التعددية الحزبية، والسؤال هنا: هل تمتلك هذه الدول دستورا ينظم شؤونها وأهمها حقوق الإنسان بغير سياط السلطة الفردية فيها وليس التعددات الحزبية المحرمة في قوانينهم؟!! حتى الكذبُ يكذّبُ هذا الرياء والبهتان ويفضح كل ادعاء، إلى أين تتجه أموال النفط بسلوك كهذا؟ مؤشرات جديدة لتكون اليمن ليس يمنين ولكن ربما أكثر ثلاث أو أربع دويلات. فهل ضمن المال أن الانفصال سيدوم إلى آماد بعيدة بدون أموال النفط التي بدأت تتراجع في قدرها وقيمتها، وأنّ الاتفاقات التي عقدت مع هذه الفرق الانفصالية سيتم احترامها كاملة إذا قصر دور المال المبذول بشكل متواصل ومتصل؟ أم أنّ الفتى إذا ما اشتد ساعده سيرمي ربيبه ومتبنيه بسهم سُليمَةَ؟