لننقذ بيتنا الخليج

 

د. عبدالحميد إسماعيل الأنصاري

كاتب قطري

 

ما يحتاجه الخليج، اليوم، وبشكل أكبر من قبل، هو التسالم بين أبنائه، والتعاهد على العيش بسلام، نحن جميعاً ركاب سفينة واحدة، إذا أصابها العطب، تضررنا جميعاً، لا يظنن أحد أنه بمنأى عن الغرق إذا أصيب الخليج بمكروه، لا سمح المولى تعالى.

لقد عاش الخليجيون على مر التاريخ جيراناً متعاونين، يتبادلون الخدمات والمنافع، هناك تاريخ طويل من الاتفاقات والاختلافات والإيجابيات والسلبيات، لكن الإيجابيات أكثر، تنشب بينهم خلافات سياسية وتجارية قد تصل إلى نزاعات وصراعات لكنهم في النهاية يغلبون لغة العقل والمصالح المشتركة. وفي عالم لا توجد فيه عداوات أو صداقات دائمة، لا بد من الحرص على المصالح أولاً، فهناك إرث تاريخي مشترك وجيرة ومصالح متبادلة وروابط اجتماعية واقتصادية بين سكان الضفتين لا يمكن التفريط بها. وينبغي علينا- نحن الخليجيون العرب خاصة- الحرص على بذل المزيد من الجهود الصادقة لاستمراره ودعمه وصيانته، تلك مسؤوليتنا أولاً، مسؤوليتنا عن أنفسنا وأبنائنا ومسؤوليتنا عن مستقبل الأجيال القادمة، لا ينبغي الاستسلام لخطاب الكراهية، لا ينبغي السماح للنزعات العدوانية أن تقودنا إلى ما لا يحمد عقباه ونحن معصوبي الأعين .

ما بيننا وإيران من خلافات ونزاعات تاريخية، يمكن التعايش معها كما عايشها الخليجيون من قبل على مر التاريخ، ولا يمكن أن تصنف هذه الخلافات في خانة التناقضات الجوهرية، لكن ما يوتر النفوس ويوجع القلوب وما يجعل وطأة هذه النزاعات ثقيلة، هو هذا النزاع الخليجي- الخليجي، هذا الخليج الذي قال عنه مفكرنا الخليجي الفذ السفير عبدالله بشارة ذات يوم، هو الجزء الصحي السليم في الجسد العربي، اليوم في حالة حمى واعتلال، حرارته مرتفعة، وعلاقاته متوترة، وبحاره تحتشد بسفن الحماية، فمتى يسترد الخليج عافيته وأمنه وسلامه؟

على العقلاء والحكماء ومثقفي الخليج ومفكريه وناشطيه ومغرديه، عدم اليأس، والتشبث بالأمل، وتكثيف الجهود، فما استعصى أمر على قوم إذا كان رائدهم، صدق العزم، والإخلاص في العمل، بعد توفيق الله تعالى لهم، شعوب ودول كثيرة امتحنت وابتليت وتعرضت لويلات وكوارث أشد، أوروبا، اليابان، دول جنوب آسيا، لكنها لم تستسلم لإعلام العداوة والكراهية وخطاب الهدم والشتم، وسياسات التربص والكيد لبعضها بعضا، وهدر الملايين من الأموال في تعميق مشاعر الكراهية بين شعوبها تجاه الآخرين، لم تستسلم تلك الشعوب لعواطفها السلبية وإنما استطاعت تجاوزها ونهضت وغلبت لغة العقل والمصالح، ونحن في الخليج قادرون على فعل ذلك، بإذنه تعالى، إذا توكلنا على الله تعالى، حق توكله، واتخذنا الأسباب الموصلة للنجاح .

أخيراً.. نحن في الخليج، نملك أدوات قوة كثيرة، لكنها غير موظفة توظيفاً فاعلاً في طرق التهدئة والتقارب وإصلاح خلل ذات البين، لكن قبل ذلك كله، يجب علينا السعي للتخلص من حالة الكراهية والعداء التي تسود صفحات جرائدنا ومجلاتنا، وتسيل من خلال فضائياتنا، وتتأجج من خلال منابرنا ووسائل التواصل الاجتماعي .

من غير المجدي وغير المفيد وغير المثمر، الانشغال المستمر بخطاب الشحن والتحريض وصب اللعنات والشتائم وتصيد الأخطاء والإساءات القديمة واجترارها، لنؤكد أننا على على الحق والعدل والصواب، وأن الآخر على البطلان والظلم والخطأ، فلا ملائكة وشياطين في عالم العلاقات والمصالح، علينا أن نرتفع ونسمو على الجراحات، وعفى الله عما سلف، ولنغلب لغة المصالح، ما ضرنا لوتسامحنا وتجاوزنا عن الإساءات المتبادلة كلها، فالله يحب المحسنين؟ شعوب غيرنا تجاوزت، بينها إساءات عظمى، اغفروا يا قوم "ألا تحبون أن يغفر الله لكم"؟!

ختاماً.. كتبت هذا المقال يوم التروية، ضيوف الرحمن يرتوون ويتضلعون من زمزم ويخرجون إلى منى في طريقهم إلى عرفات ركن الحج الأعظم، للوقوف به يوم السبت، وتأخذني مشاعر الشوق لأن أكون هناك معهم، ويشتد الحنين لبيته الكريم، عسى فرج يأتي به الله، إنه له في خليقته كل يوم شأن.