المسؤولية الوطنية للإعلام

حاتم الطائي

 

الإعلام هو إحدى أدوات التنمية الرئيسية التي من خلالها يُدرك المُواطن مدى تقدُّم بلده ومستوى التطور الذي بلغته، وفي عُماننا الغالية ومنذ انبلاج فجر النَّهضة المُباركة والإعلام العماني يؤدي دوره الوطني المأمول، عبر مختلف الوسائل والأدوات، ساعياً إلى تسليط الضوء على ما تحقق من منجزات حضارية وضعت السلطنة في مصاف الدول المُتقدمة، ومنحت الإنسان العُماني حقوقه كاملة.

ومع التطور التقني الحاصل في مختلف المجالات، شهدت وسائل الإعلام تطوراً واكب مخرجات الثورة الصناعية الرابعة، ومن هنا نشأت وسائل إعلام مُغايرة عن الوسائل التقليدية المعروفة وهي الإذاعة والتليفزيون والصحف، وتمَّ الاصطلاح على هذا النوع من الإعلام بـ"الإعلام الجديد"، وهو الإعلام القائم على وسائل جديدة أفرزتها الطفرة التكنولوجية الهائلة، فظهرت المواقع الإخبارية على الإنترنت ومن ثم المدونات، والتي ما لبثت أن تطورت وانتقلت مهمة نشر الخبر إلى وسائل التواصل الاجتماعي، وكانت البداية مع موقع "فيسبوك" ذلك العملاق الأزرق الذي تحوَّل إلى آلة ضخمة للغاية في نشر المعلومات والأخبار، سواء كانت حقيقية أم مُفبركة. ولاحقاً تنوعت وسائل التواصل الاجتماعي وظهرت تطبيقات الهواتف الذكية مثل: واتس آب وانستجرام، إلى جانب تطبيقات لموقعي فيسبوك وتويتر. وهنا واجهت وسائل الإعلام التقليدية أزمة وجودية، وكان الحل والمخرج لها أن تواكب هذه المُتغيرات، وقد نجح العديد من هذه الوسائل في ذلك، ومنهم "الرؤية"، بينما أخفق آخرون، إما لتأخرهم في سرعة الاستجابة للمُتغيرات، أو لعدم قدرتهم على مواكبة التطور لأسباب تتعلق بالجانب المادي والإبداعي.

وفي ظل هذه المُتغيرات، نشأت حاجة ماسة إلى مُناقشة أوضاع "الإعلام الجديد" أو لنقُل "وسائل الإعلام الجديدة"؛ إذ ظلت قواعد محتوى النشر ثابتة لا تتغير، وأسس المهنية والموضوعية لم يطرأ عليها أي تعديل. وتمخض الكثير من النقاشات حول وسائل الإعلام الجديدة عن وضع المزيد من الضوابط المهنية وابتكار تقاليد وأعراف صحفية جديدة، وظهر مصطلح "الصحفي الشامل"، وهو ذلك الصحفي المتمرس القادر على صياغة خبر صحفي مُحترف ونشره بنفسه عبر هاتفه الذكي على الموقع الإلكتروني للمؤسسة الإعلامية التي يعمل فيها، وكذلك التقاط صورة خبرية ومقطع فيديو عن الفعالية التي يقوم بتغطيتها، الأمر الذي عزز من سرعة انتشار الخبر بأشكاله المُختلفة.

نحن من جانبنا في جريدة "الرؤية"، سعينا إلى مواكبة هذه المتغيرات، ولله الحمد وصلنا لمستوى بالغ التقدم، استطعنا من خلاله الوصول إلى أكبر شريحة من القُراء والمتابعين، ليس فقط داخل السلطنة، ولكن على مستوى الوطن العربي، والقارئ العربي أينما كان، حتى في أبعد دول العالم. ولم نتوقف عند هذا الحد، بل حرصنا كل الحرص ووفق نهج "إعلام المبادرات"، على استضافة المسؤولين والمتخصصين والخبراء لكي يُسهموا بأطروحاتهم وأفكارهم البناءة في إثراء عملية تطور الإعلام العماني. وتجلت هذه الجهود عبر انعقاد النسخة الثانية من "متلقى الإعلام الجديد والعصر الرقمي"، والذي احتضنته ولاية صلالة على مدار يومين، وشهد عقد جلسات نقاشية شارك فيها خبراء من السلطنة والخارج، استعرضوا فيها عبر محاور عدة الممارسات الإعلامية، ومدى تواؤمها مع الالتزامات الوطنية والمهنية.

وإننا عندما نتحدث عن المسؤولية الوطنية للإعلام، نشير بوضوح إلى الأداء المسؤول للإعلام، على مستوى المؤسسة الإعلامية، سواء كانت صحيفة أو إذاعة أو تليفزيونا أو موقعا إلكترونيا أو حتى حسابا إخباريا على مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى مستوى الصحفي أو الإعلامي المُمارس للمهنة. وهذا الأداء المسؤول يتحقق من خلال تبني أعلى معايير المهنية والموضوعية والالتزام بها بأقصى درجة، والتحلي بالمصداقية في نشر الأخبار والمعلومات، وتجنب تلوين الخبر بصبغة غير مهنية، وأن يتحرى الصحفي الدِّقة في كتابة تصريحات المسؤولين، وأن يوازن بين تصريحات المشاركين في أي تحقيق يعمل على إعداده، دون أن ينحاز إلى طرف على حساب آخر، أو أن تميل كفة التحقيق إلى رأي دون غيره، فإذا ما وقع الصحفي أو الإعلامي في هذا الفخ، فإنِّه يفقد أحد أهم عناصر المهنية وهي الموضوعية في الطرح، ناهيك عن تسبب ذلك في إضعاف الثقة في الوسيلة الإعلامية الناشرة لهذا المحتوى.

ولذا مثّل البيان الختامي لملتقى الإعلام الجديد والعصر الرقمي، الوصفة الناجعة التي تضمن تحقيق أعلى معايير المهنية والاحترافية بأداء موضوعي مسؤول، يلتزم بالثوابت الوطنية القائمة على نقل الحقائق دون تهويل أو تهوين، ولذا تصدَّر البيان الختامي توصية بضرورة تبني ميثاق شرف للإعلام الرقمي، يمضي على دربه كل من يعمل في هذا القطاع المؤثر بشدة في المجتمع، إضافة إلى سن تشريع منظِّم للأداء الإعلامي الرقمي؛ يؤصل لحرية مسؤولة لتداول المعلومات، ونشر الأخبار، بمهنية واحترافية توازن بين خصائص الإعلام وتطلعات الجمهور المستهدف. هذا إلى جانب توصيات أخرى طموحة إذا ما تمَّ تطبيقها والالتزام بها، فإننا سنكون أمام أداء إعلامي يُشار إليه بالبنان، ويسعى الآخرون الى الاقتداء به.

ويبقى القول.. إن إعلامنا الوطني برهن على مدى سنوات النهضة المباركة مدى مهنيته وحرصه الكبير على تحري المصداقية والموضوعية في نشر المحتوى بمختلف أشكاله، وذلك انطلاقاً من الإيمان العميق بأن الدور الحقيقي للإعلام ليس في إثارة الرأي العام وإحداث البلبلة- كما هو الحال في بلدان أخرى- بل تنفيذ مهمة وطنية سامية تتمثل في تبصير الرأي العام بما يتحقق من منجزات وأيضًا تنبيه المسؤولين وصناع القرار إلى أي جانب يحتاج إلى التطوير والمراجعة، بصوت هادئ متعقل، وبرؤية إعلامية رشيدة قادرة على فرز وتنقية الغث من السمين، وفق أداء مهني يضع حق المواطن في المعرفة على أول سلم أولوياته، ولا ينفذ سوى أجندة وطنية خالصة، مبتعدًا كل البعد عن التحيزات غير الموضوعية أو الانجرار إلى صراعات إقليمية أو مذهبية أو فئوية، وإنما مناصر للقضايا الوطنية بكل إخلاص وصدق ونزاهة.