بناء تكتلات نسائية.. الطريق لكسر حاجز المقعد الواحد

د. سيف بن ناصر المعمري

ها هو مجلس الشورى يقترب من إكمال ثلاثة عقود منذ أن بدأ في بداية التسعينيات من القرن الماضي؛  مرَّ خلالها بعدةِ تحولاتٍ من حيث دوراته وصلاحياته وآليات انتخاب أعضائه؛ ونحن نعبر هذا العام من ثماني فترات برلمانية نحو فترة تاسعة؛ تغيَّرت خلال هذه العقود إستراتجيات خوض الانتخابات لدى كثير من المرشحين، وأيضا القبائل والتجمعات الداعمة لهم؛ ولكن وحدها المرأة  -رغم كل التحولات المعرفية والاقتصادية والوظيفية التي مرَّت بها- لم تغير من إستراتجياتها في خوض هذه الانتخابات؛ والنتيجة تغير وضعها وفرصها البرلمانية إلى الأسوأ منذ أن بدأ هذا المجلس.

فالأرقام تُظهر أنَّ المرأة خلال العقود الثلاثة لم تنجح إلا في الحصول علي عَشرة مقاعد شغلتها خمس نساء فقط من محافظة مسقط؛ وهو ما يُعطي مُؤشرا على ضعف قدرة المرأة للوصول إلى هذا المجلس الذي بلغ عدد أعضائه 85 عضوا في الفترة الثامنة؛ أي أنَّ تمثيلَ المرأة بلغت نسبته 1.1%، بينما بلغ تمثيل الرجل 98.9%. وهذا المؤشر قاد السلطنة لكي تصنَّف من قبل بيانات اتحاد البرلمانات العالمية في فئة أدنى الدول في تمثيل المرأة التي بلغ متوسط تمثيلها العالمي 23.4 حسب بيانات الاتحاد البرلماني الدولي للعام 2017م، فكيف يُمكن أن تخرج المرأة العمانية من هذا الوضع الذي لا يليق بها والدور الذي تلعبه في دعم تنمية هذا البلد في مختلف القطاعات؟ وما الآليات التي يمكن أن تُوظفها مترشحات الدورة التاسعة التي لم يبقَ إلا فترة ليست بالطويلة على انتخاباتها النهائية؟

سُؤالان أطرحهما هذا الأسبوع؛ بعد تنفيذي برنامجا تدريبيا للمترشحات للدورة التاسعة خلال الأسبوع الماضي حول "بناء قدرات ومهارات المرأة العمانية في إدارة العملية الانتخابية"، وهو البرنامج الذي يهدف إلى بناء قدرات 43 أمراة مترشحة حسب القوائم الأولية في الجانب القانوني، والحملة الانتخابية، والدعاية الإعلامية، والإنفاق الانتخابي، ورغم أن البرنامج سعى إلى تطوير العديد من الجوانب لدى المترشحات، كي يزيد من فرصهن في الوصول إلى المجلس، ورغم التفاؤل الكبير الذي لمسناه لدى كثير منهن، والإصرار على مواصلة الترشح حتى مع وجود إخفاقات سابقة لدى بعضهن، إلا أن هناك تحديات كبيرة عبرن عنها بصوت عال؛ وممارسات كثيرة تحدُث في العملية الانتخابية لم تعد المرأة قادرة على مجاراتها؛ وبالتالي تشعر مجموعة منهن بأنَّ الحل هو في تطبيق نظام "الكوتا"، وهو نظام تطبِّقه العديد من الدول عبر العالم، وربما المناداة بتطبيق هذا النظام يعود لشعور بالإحباط المتكرر مع كل انتخابات للشورى.

فالمرأة العمانية خلال عقد كامل لم تنجح إلا بالفوز بمقعد واحد في الدورين اللذين شهدهما هذا العقد؛ والمطالبة بتطبيق هذا النظام بغض النظر عن اختلاف الموقف حوله، ربما يجعل المرأة العمانية تلجأ إلى الحل السهل الذي يضعها في المجلس، دون أن تراجع وتقيم منهجها في التعامل مع هذه الانتخابات خلال هذه العقود، وأيضا تتأمل في دورها في الحياة العامة، وفي الدفاع عن حقوقها وتضامنها واتحادها في سبيل تشكيل قوة تُشبه تلك القوى المختلفة المالية والقبلية والدينية والاجتماعية التي تُؤثر في مختلف انتخابات المجالس سواء الشورى وغيرها؛ لأنه وبدون مراجعة النهج وتبني آليات جديدة وبناء وعي مختلف للمرأة في التعامل مع هذه الاستحاقات لا يمكن أن يتغير هذا الواقع، وستظل النساء يحصدن الإحباط والفشل المتكرر مع كل انتخابات ولن يكون  رجع صوتهن مسموعا إلا لهن فقط في تلك التجمعات والجمعيات التي تجمعهن. والنهج الذي نقصده الآن هو بناء تكتلات انتخابية نسائية في كل ولاية تُمكن المرأة من المنافسة وعدم تشتيت الأصوات، فلو استعرضنا المترشحات للدورة التاسعة نجد كثافة عددية في ولايات محافظة مسقط خاصة في السيب التي بلغ عدد المترشحات فيها 10 مترشحات، تليها ولاية بوشر التي بلغ عدد المترشحات فيها 7 مترشحات، ومن ثم ولاية مطرح التي بلغ العدد فيها 3 مترشحات، وولاية العامرات مُترشحتيْن، ولم يتجاوز العدد في بقية الولايات خارج مسقط مرشحة واحدة أو مرشحتين. ومن أجل زيادة الفرص يبدو أن النساء المترشحات ينبغي أن يبادرن بتبني نهج التكتلات الذي أصبح سمة تأخذ أكثر من منحى في بعض الولايات مثل مطرح التي تمارس فيها إحدى القبائل فرزا داخليا قبليا، وبوشر التي يبدو أن تكتلها أخذ منحى تعاقب الأدوار بين عدة مرشحين، وصلالة التي يكون فيها فرز داخلي للمرشحين بناءً على الأفضلية؛ وبالتالي يمكن أن تطلق المترشحات في ولاية السيب وبوشر كتلًا انتخابية يتم فيها توافق المترشحات على مرشحة واحدة تحظى بدعمهن؛ من أجل زيادة فرصهن وتقليل تشتيت الأصوات لديهن؛ ويمكن أن يتم ذلك بوضع نظام اختيار الأفضل من خلال لجنة محايدة أو من خلال القرعة، قد يبدو هذا الأمر صعبا في ظل تداول مقولات منها أن المرأة هي عدوة المرأة في الانتخابات، ولكن تقبُّل الصعب خيرٌ من مواجهة الأسوأ؛ وهو عدم وصول ولا مرشحة إلى مجلس الشورى من هذه المرشحات. فالآليات القديمة التي تدخل بها المرأة الانتخابات لم تعد تُجدِي، وقد جربتها النساء أكثر من دورة وآن الأوان للتنازل والمرونة وممارسة التفاوض والخروج بآليات جديدة تكفل تحقيق النجاح لأكثر من مرشحة، ويُمكن أن تكون هذه الكتل منطلقا طويل الأمد يطور من الآليات لكي يعمل على دعم النساء في كل المجالس المنتخبة مثل المجلس البلدي وغيره.

... إنَّ تمثيل المرأة في مجلس الشورى بنسب تتواءم مع تعدادها وفاعليتها ودورها أمر ضروري، بما يضمن انعكاس ذلك التحول الحقيقي الذي تشهده البلد، كما أنه ضرورة لقضايا المرأة والطفل؛ ففي الدول التي تحتل المركز الأول لتمثيل المرأة البرلماني رواندا وبوليفيا قادت النساء تحولات كثيرة في التشريعات المتعلقة بالمرأة والطفل، وفي الدول التي لا تتمتع بهذا التمثيل -مثل بلدنا- نجد أنَّ دورتين استمرت لثماني سنوات لم نشهد فيها مراجعة فعلية لهذه التشريعات رغم وجود ضغوطات وتحديات تستدعي ذلك؛ أليس هذا عاملا من عوامل غياب المرأة عن مجلس الشورى؟ وبالتالي لا نتوقع في يوم ما أن تحظى إشكاليات المرأة ومتطلباتها وحقوقها بأي اهتمام إلا إن قادت المرأة نفسها زمام الأمور في الدفاع عنها والمطالبة بها.