حميد بن مسلم السعيدي
اليوم الذي يحتفل فيه الوطن بـ23 يوليو المجيد، والذي كان له الأثر الكبير في إحداث تغيير في مسار التطوير والتنمية التي استهدفت الإنسان العماني، بما أحدثه من نقله نوعية من مرحلة كانت سوداء في التاريخ العماني، إلى مرحلة جديدة استكمالاً للحضارة العمانية المتجذرة في عمق التاريخ، يُعيد للإنسان العماني وجوديته ومكانته بين الأمم، واليوم بعد مرور 49 عاماً على بداية النهضة العمانية الحديثة، تمخر السفينة العمانية مسارها بين شواطئ الأمم بقيادة رُبانها جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم، الذي خطط لذلك المستقبل من أجل أن تصل إلى مرافئ التقدم.
لذا؛ فالمواطن العماني يشعر بالفخر بانتمائه لهذا الوطن، وما تحقق من إنجازات متعددة في كافة المجالات: الاقتصادية والاجتماعية التعليمية والصحية، وبُغية توفير كافة احتياجات المواطن، إذ إنَّ ذلك يُمثل أهم منجزات الوطن التي تحققت على مدى هذه الفترة، والتي تمثل تاريخا عمانيا حديثا يخطه ابن الوطن من أجل رفعة مكانة عُمان؛ حيث إنَّ الوطن يحتفل اليوم بتلك الإنجازات الوطنية التي جاءت من أبناء الوطن المخلصين.
لذا؛ فإنْ كانت احتفالاتنا تعبر عن حُبنا لهذا الوطن، فإن هذا الاحتفال ينبغي أن يتغير، فنحن بحاجة لأن نحتفل بمزيد من الإنجازات، فاحتفالنا يأتي من خلال ما نقوم به من جهود في ميدان العمل والإنجاز، حيث نصنع عمان الحديثة مُنطلقين من مبادئ الأمانة والإخلاص رسالة على جبيننا من أجل أن نقوم بواجباتنا الوطنية، تلك الواجبات التي تأتي في أولوياتها مصلحة الوطن مقدمةً على المصالح الخاصة، خاصة وأن أسس وقواعد الإنتاج أصبحت جاهزة بعد اكتمال كافة احتياجات البنية الأساسية، فالمضي قدماً هو منطلق أساسي نحو التغيير والتطوير من أجل المشاركة في الحضارة الحديثة التي نترقب أن نكون مشاركين في صناعتها.
وهذه الشراكة والمساهمة لن تأتي إلا بالمواطنين الأوفياء الذي يبذلون قصارى جهدهم من أجل تحقيق رؤية جلالته في أن تكون عُمان في مقدمة الدول الحديثة، وحتى نحقق ذلك فنحن بحاجة لأن نحاسب أنفسنا أولاً قبل أن يحاسبنا الوطن، ذلك الحساب الذي لن يكون سهلاً على المتواطئين والعاملين ضد الوطن، فما يحدث اليوم من تراجع على كافة المستويات الاقتصادية والتعليمية والاجتماعية وبعض الإخفاقات في المشاريع التي كان الوطن يعول عليها أن توجد دخلاً إضافيا بعد حدوث إشكاليات متعددة في قطاع النفط، تحتاج إلى وقفة وطنية من المخلصين، حيث إن القطاع الاقتصادي هو الرافد الأول لمصادر الدخل، ولكن يبدو أن المشاريع التي تدار في هذا القطاع تعاني تحديات متعددة، تعود بنا إلى أزمنة كنا نعاني منها قديماً.
هي ظواهر أصبحت ماثلة أمام الجميع، فنحن في منطقة تشهد تنافسية اقتصادية تقوم على جلب الموارد المالية واحتكار الأسواق من أجل الحصول على أكبر عائد مالي، في حين أن مشاريعنا تتراجع تدريجيًّا، مما يجعل تعميق دور المؤسسات الرقابية مطلباً وطنياً للقيام بدورها في تعديل المسار ووضع أطر للعمل الوطني ومحاربة الفساد. فنحن نسمع العديد من الأناشيد الوطنية التي تحمس المواطن وتدعوه للعمل الوطني، وهي رسالة وطنية، ولكن لا نرى إنتاجا حقيقيا يشهد على أننا نقوم بأدوارنا الوطنية، فإن الدعوة لتغيير النهج الوطني والعمل من أجل الوطن، هو ما ينبغي أن ينطلق من خلاله المواطن في عمله الوطني أينما تواجد؛ سواء في وظائف إدارية متوسطة أو ذات مسؤولية عليا، أو في وظائف إنتاجية يُعوَّل عليها تحقيق إنجازات في كافة القطاعات التي يتواجد بها المواطن، تلك القطاعات التي ينبغي أن يكون فيها المواطن أولاً، وأن يتاح للكفاءات الوطنية أن تقوم بدورها لا أن يتم محاربتها لتحقيق المأرب الشخصية، خاصة وأننا نعاني من إشكاليات متعددة متعلقة بارتفاع أعداد الباحثين عن العمل، وتراجع التصنيف العالمي، وارتفاع الدين العام بصورة غير طبيعية، وفساد في عمق المؤسسات الحكومية، وتخلف القطاع الخاص عن القيام بدوره الوطني في توظيف الشباب العماني، بل وصل الحال لمحاربتهم والعمل على استبعادهم من العديد من مؤسسات الخاصة، وجعل المجال متاحًا للوافدين.
إن أردنا أن نحتفل، فلنجعل هذا الوطن يحتفل بنا وبما نقوم به من إنجازات وطنية وعمل مخلص يأتي في أولويات أدوارنا، وأن نكون يدًا تعمل على مكافحة الفساد والتصدي له.. هكذا حينها نحتفل، لا أن ننشد الأغاني ونتشح الأعلام، فوشاحنا ينبغي أن يكون الوطن، وننشد بأعمالنا وعريق جبيننا عندما يكون لأجل عمان.
هذه الرسالة التي أرادها جلالة السلطان قابوس، هذا الرجل الذي كرس حياته وصحته لأجل عمان: "سأعمل بأسرع ما يمكن لجعلكم تعيشون سعداء من أجل مستقبل أفضل"، هذا الوعد وقد تحقق، فإن علينا الوفاء به منطلقين من قوله: "وعلى كل واحد منكم المساعدة في هذا الواجب"، فواجباتنا ينبغي أن تكون لأجل عمان.