حاتم الطائي
< 23 يوليو.. فاصل زمني سجل فيه التاريخ بُشرى ميلاد المجد الحديث لعُمان الحضارة والتاريخ
< مبادئ الحكمة القابوسية.. عُنوان لكتاب مُلهِم يروي قواعد الحكم الرشيد وقصة النهوض الكبير
< الرؤى السامية اقتضت بناء الإنسان الواعي أولا في تجربة تستحق التأمل بعناية وموضوعية مسؤولة
< صوت الحكمة في مسيرة بناء النهضة يضع الجميع أمام مسؤولياته في رحلة بلوغ المستقبل المشرق
الثالثة والنصف من ظهر يوم الخميس، الموافق الثالث والعشرين من يوليو للعام 1970.. هَكذا يُدوِّن التاريخ لحظة ميلاد بدر النهوض في سماء عُمان الحديثة، وقتما أُعلِن عن تولي مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -أبقاه الله- مقاليد الحكم في البلاد، لتنطلق أهازيج الفرح الشعبي استبشارًا بالعهد الجديد؛ وليقود جلالته دفة سفينة الوطن صوب مرافئ استعادة المجدِ التليد، والبريق العُماني الوَضَّاء، بإرساء دعائم دولة المؤسسات والقانون، في فاصلٍ تاريخيٍّ توقَّفتْ عِنده لوهلة خفقات قلوب العُمانيين، لترصُد اتجاهًا مُغايرًا لحركة ظلِّ الدولة، وَضَعَ بلادَنا وظِلَّها الجديد على خطِّ تماسٍ واحدٍ فوق أرضِ الواقع، مُسجلًا لحظة نهوض وطنٍ، استعاد قوَّته بعد كَبوةٍ، وهبَّ لعزِّة أبنائه، رافعًا عنهم سُدولَ ليلٍ طويلٍ، وليكتُب سطرًا ألمعيًّا على صدر سجلات الزمان بأن "أبشري.. قابوس جاء"، مَتبوعًا بالنداء الخالد "صَوْت للنهضة نادى".
قابوس جاءَ برُؤى نيِّرة، وتوجيهات سديدة سامية، وحكمة ثاقبة، وتقدير حصيف للمواقف، وتحليل بعيدِ المدى للأحداث، وفكر وقاد، وأفق واسعٍ، ودراية كاملة بهمُوم وحاجيات الوطن والمواطنين، وعقلية مُتزنة نهلتْ علومَ الحياة في مهدها على يدِ أساتذة أجلاء في رِحَاب المدرسة السعيدية بصلالة، وأكملت تَمَام الاستفادة في بريطانيا، مُكلِّلة ذلك بالتحاق بالأكاديمية العسكرية الملكية في سانت هيرست، ليتخرَّج برتبة ملازم ثانٍ، في تجربة أصقلها التحاق جلالته بعدها بإحدى الكتائب البريطانية العاملة في ألمانيا الغربية؛ تلقى فيها أصول القيادة وواجبات الأركان، قبل عودةٍ ثانيةٍ للمملكة المتحدة حفلتْ بتدريبٍ خاصٍّ على أسلوب إدارة الحكومة المحلية، أعقبتها عودة ميمونة لأرض الوطن في العام 1964م.
قابوس جاءَ بأنوارِ الحكمة والخير العميم، بعد 6 سنوات قَضَاها على مقُربة من الأحداث الداخلية في عُمان، تفقَّد فيها واقعَ الحال، وتفحص مآلات الأمور، وكيف كانت؟ وإلى أين وصلت؟ ليضعَ رُؤية ثاقبة لمستقبل وطنيٍّ مُشرق، قَطع في أول مشوراه العهدَ على نفسه وحكومته للبدء بأسرع ما يُمكن لجعل الحكومة عصرية، وبوعد يقين بالعمل "بأسرع ما يمكن لجعلكم تعيشون سعداء لمستقبل أفضل".. قابوس جاء بإصرارِ الحالم على استعادة المجد العريق، وتوحيد الصَّف والكلمة، واستنهاض الهمم، وفق خطة مدروسة ونهج عملي لم يعتمد كثيرًا على الشعارات الرنانة ولا العبارات المُستهلكة في ذلك الزمان، وإنما بهدفٍ وحُلم، ودراية وعمل، أمطرت سُحبها اليوم خيرًا عميمًا على بقاع أرض عُمان من أقصاها لأقصاها، بمنجزٍ نهضويٍّ شاملٍ، وتجربة قابوسية تستحق التأمل بعناية وموضوعية مسؤولة لنا وللأجيال اللاحقة من بعدنا.
ليظل الثالث والعشرون من يوليو، عُنوانًا لكتابٍ مُلهِم، يروى قِصة النهوض الكبير، ويكتب مُوجهات الإرداة والعزيمة، والإصرار والمثابرة، كتابُ الإيجابية البناءة المفتوح والعمل الوطني المحفز، كتاب الحكمة والاتزان، والعدل والمساواة، كتاب المواطنة المسؤولة والتعايش والحوار، كتاب التسامح والتآلف، كتاب العز والمجد والافتخار، كتاب الحقِّ في الوفاء بالوعد، وكتاب الأمل في مواصلة المسيرة المظفرة، كتاب يرصُد محطات النماء المصفوفة بعِناية تراعي المسافات الزمنية محسوبة الخُطى، المراعية لخصوصية التجربة، كتاب يفيض بالولاء والعرفان، كما يفُوح منه عطر العطاء الأبوي الحاني، واليد الممدودة للجميع لترسي أساسا قويما لأعمدة الحكم الرشيد.
إنها مبادئ الحكمة في تجربة قابوس الخير على أرض عُمان الزاهية، مبادئ رسمتْ خارطة الإنجاز الوطني، فبنتْ أوَّل ما بنت الإنسانَ الواعي، وهيَّأت المسار أمام تمكينه، وعبَّدت الطريق بالبُنى الأساسية لتتكامل حلقات العمل، وتتضامن مساحات العطاء، وتتناغم لبنات الإنجاز، مُؤصِّلةً لسلوك سياسي قيادي حكيم ومتفرد في الداخل والخارج، ليعزفُ الوطن اليوم على قيثارة الحوار نهجًا ثابتا مُستمدًّا من تاريخ عريق ومجد تليد، ضمن مُشترك الوطن وهُويته في الداخل، باسطًا يده في الخارج، حاملًا بين كفيه رسالة السلام والوئام والتعارف باتزانٍ وحيادية إيجابية، تقوم على احترام سيادة البلدان، وعدم التدخل في شؤون الغير، والحوار القائم على المشترك الإنساني الواحد، لرأب الصدع وتجسير الفجوات، وتعزيز اللحمة بين الأشقاء والأصدقاء، في رحاب التزامٍ قاطعٍ بالمواثيق والمعاهدات والحقوق والواجبات الدولية، وحُسن الجوار، من أجل عالمٍ تسوده المحبة، وتعيش شعوبه في أمان واطمئنان، كل هذا ضَمِن لعُمان اليوم تفوقًا في تعاملها مع الملفات الإقليمية والعالمية، بأحداثها المؤسفة، ومتغيراتها المتسارعة في مواجهة سياسات الهيمنة والوصاية، بل ومنحها شرفَ رعاية السلام عن جدارة واستحقاق كقلعة شامخة تقصدها قيادات العالم وحكوماته للاستئناس بالنهج القابوسي الراقي والسيرة الحسنة لعُمان.
... إنَّ صَوْت الحكمة في مسيرة بناء الوطن، وما ترفُل فيه بلادنا اليوم من نماء وعطاء، تأسس وفق خُطوات بنَّاءة ومدروسة، قُوامها التوازن والعقلانية والواقعية، وتحقيق المُمكن، أسَّست جميعها لدولة عصريةٍ مُتكامِلة الأركان: سياسيًّا، واقتصاديًّا، واجتماعيًّا، وقانونيًّا، ودستوريًّا، ودبلوماسيًّا، نهضة أحدثت تحولاً جذريًّا في البلاد، وضعت عُمان في مُقدمة الدول المدنية الحديثة، وهي مؤشرات كما تبعثُ في النفس اعتزازًا بفرادة التجربة، ونجاعة نهج المسيرة التنموية بشكل عام، تضعُ الجميع كذلك أمام مسؤولياتهم الوطنية في رحلة بلوغ المستقبل المشرِق، مُستقبل يحفظُ لعُمان وأبنائها ثوابتهم الوطنية ومنجزاتهم النهضوية، ليصفُّةا فوق عليائها أُسسًا لصُروح جديدة من البناء والتمدُّن والتنمية.
رَعَى الله مسيرة بلادِنا بعين رعايته وعميم فضله، وحفظ لنا جلالة السلطان في الحلِّ والترحَال، وأسبغ عليه من نعمائه التي لا تحصى ولا تُعد.. وكل عام وعُمان -وطنًا، وقيادةً، وشعبًا- يرفلون في أثواب العز والفخار، خلف قيادة واعية لسُلطان الحكمة عاهل بلادنا المفدى - أيده الله.