د. عبد الحميد الأنصاري
ما أعظمها من أم! ما أنبلها من مخلوق! تتألم في صمت ونبل، قلقة على مستقبل أطفالها، تتظاهر بالسعادة أمامهم، تخفي أحزانها عنهم، تخشى تنغيص حياتهم، ما أكرمها من أم مضحية! إنها الأم الخليجية التي شاء قدرها أن تتزوج من غير مُواطن، فكأنها أذنبت بهذا الزواج! فقرر المجتمع والدولة مُعاقبتها، بحرمان أطفالها من جنسيتها، لكن ما ذنب أولادها؟! لماذا نجرعهم القسوة والمرارة والإحباط والألم؟! لكِ الله أيتها الحزينة، أولادكِ محرومون من حقوق يتمتع بها أولاد أختكِ المتزوجة من مُواطن!
أيُّها الناس: لماذا نُحاسب هؤلاء الأبرياء، وقد ولدوا في هذا الوطن، الذي لا يعرفون وطناً سواه، ونشأوا على أرضه، وتعلموا في مدارسه، وتربوا في أحضانه، وتشربوا الولاء والحب والانتماء والموروث الثقافي من أمهم، لماذا نحملهم المسؤولية؟ لماذا نستمر في تجاهل حقوقهم؟ وإلى متى السكوت على أوضاعهم المأساوية؟
أولاد الأم الخليجية لأب غير مواطن، وبخاصة لأب (غير خليجي) يتجرعون القسوة والمرارة والألم بيننا، يُواجهون أشكالاً من التمييز في مختلف الجهات الرسمية: سواء في الحصول على فرص وظيفية أو الحرمان من الامتيازات والترقيات الوظيفية والدورات الخارجية، أو المنح التعليمية والبعثات الخارجية، أو المعاملة في الرعاية الصحية والعلاج في الخارج، أو تأمين السكن اللائق (الأرض والقرض) أو دفع الرسوم السنوية لتجديد إقامتهم، كونهم وأباهم غير الخليجي يقيمون على كفالة أمهم، وقمة المآسي، بعد وفاة الأم، عليهم بيع السكن المُسجل باسمها، والبحث عن كفيل! على أن كل أشكال المُعاناة السابقة تهون مقارنة بالمرارات التي يعانيها أبناء الأم الخليجية عند الزواج، أسر كثيرة ترفض تزويج ابن الخليجية، خاصة لأب (غير خليجي) تحوطاً من مُستقبل غير مضمون! والضحية الرئيسة لكل أشكال المعاناة دائماً الأم (حمالة المآسي كلها) التي تعيش قلقاً نفسياً كل يوم، وأرقاً مستمراً كل ليلة، فهي المعيل للأسرة (لتعذر حصول الزوج على عمل) وهي التي تدفع إيجار السكن، وعليها دفع رسوم إقامات زوجها وأولادها والتعليم والعلاج.
مُعاناة الأم القطرية والأزمة الخليجية: أحزان الأم القطرية المتزوجة من خليجي، اليوم، هي الأعظم، فقد زادت معاناتها النفسية والبدنية، بسبب الأزمة الخليجية، نتيجة مشكلات مثل: تجديد الجوازات، واستصدار شهادات حسن السير والسلوك لأولادها، وتشتت أسرتها بين قطر ودول الجوار، وتضرر تجارة وأعمال زوجها الخليجي.
ختاماً: إنها الأم الخليجية الصابرة المحتسبة، ألم يأتِ أوان إنصافها ورفع الظلم عن أبنائها؟! ألم يكرم رسولنا عليه الصلاة والسلام الأم، ويجعل لها ثلاثة حقوق؟ هي تطالب اليوم بحق واحد، مساواتها بالأب الخليجي في حق نقل جنسيتها لأولادها، مطلب عادل، تؤكده دساتيرنا الوطنية، وتوجبه مواثيق حقوق الإنسان، واتفاقية (القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة) المصادق عليها من دولنا.
علينا إدراك أن قضية تجنيس أبناء الأم الخليجية، تتجاوز البعدين: الحقوقي والإنساني، إلى بعد أمني إستراتيجي، يتعلق بمُعالجة تفاقم الخلل السكاني، أيها السادة: صرنا أقليات في أوطاننا! في ظل هذا الطوفان البشري المتدفق من بلاد الفائض السكاني! ومن، أضمن وأسلم وأثمن من تجنيس أبنائنا، أبناء الأم الخليجية، رافداً للهوية الخليجية، ومصححاً للخلل السكاني، ومحصناً للجبهة الداخلية، في هذا الزمن الخليجي المتوتر. الإمارات منحت أبناء الإماراتية لأب أجنبي حق التقدم للحصول على الجنسية حال بلوغهم الثامنة عشرة، وقطر جنست بعض أبناء القطريات وفق ضوابط معينة، مبادرات منصفة ومقدرة، لكننا نريده تشريعاً يُلغي التمييز بين الأبوين.
المشرع الخليجي مطالب بتصحيح الخلل التشريعي الذي يقصر حق نقل الجنسية على الأب المواطن، ليشمل الأم المواطنة، أسوة بتشريعات الدول المتحضرة التي اعتمدت معيار (رابطة الدم) حقاً مشتركاً للأبوين على حد سواء، الأم الخليجية تستحق منا كل تكريم.
* كاتب قطري