التقاعد المبكر انتحار

 

طالب المقبالي

 

عندما تتقاعد مبكراً وتبحث عن الأشخاص المتقاعدين كي تتسامر معهم وتعقد جلسات القهوة والتمر فإنِّك لم تخطط جيداً لتقاعدك المبكر.

فتقاعدك المبكر إما جاء نتيجة لضغوط في العمل، أو نتيجة لتعرضك للظلم من حيث تأخر الترقيات، أو الحرمان من الحوافز، أو عدم توافقك مع رئيسك المباشر وحرمانك من تولي مناصب أعلى في العمل، أو نقلك من عمل إلى آخر لا تُحبه، أو بدافع التحدي لصديق أقدم على تقاعد مبكر وقد وقع بينكما تحدٍ في الجرأة على اتخاذ القرار بالتقاعد المبكر، وهذه مصيبة وكارثة.

فبعض الشباب للأسف أقدموا على طلب التقاعد المبكر لأحد الأسباب التي ذكرتها سابقاً.

ففي بادئ الأمر يحسون بالنشوة والسعادة في التحرر من القيود التي كانوا يشعرون بها في محيط العمل، فيُخيل إليهم أنهم في قمة السعادة خاصة وأنهم قد قبضوا حفنة من المال بما يعرف بمكافأة نهاية الخدمة مكنتهم من السفر والتجوال بحرية بعيداً عن قيود العمل، فقاموا يزينون لأصدقائهم ما هم عليه من نعمة الحرية، وأنهم كانوا في سجن مظلم، وأنهم كانوا في غفلة من هذا النعيم، فيقوم بعض المتحمسين من الأصدقاء في التفكير بالأمر تدفعهم روح التحدي في ظل اتهام الآخر لهم بعدم المقدرة في الإقدام على طلب التقاعد، وأن هذا الإجراء يحتاج إلى رجال أشداء يتحلون بقوة الإرادة والعزيمة والإصرار والتحدي، فالحرية لها ثمن.

وللأسف يقوم ذلك الصديق المسكين بطلب التقاعد بدافع النخوة والشهامة وأنه رجل ذو عزيمة وإصرار فيقع الفأس في الرأس، حين يجد نفسه بين كبار السن يتسامرون فيما بينهم ويتناقلون قصص ألف ليلة وليلة، ويحتسون القهوة مع حبات التَّمر، وتمضي الأيام.

فالبعض من الشباب لم يكملوا سوى عشرين عاماً في العمل، وكان أمامهم مستقبل خمسة عشر عاماً قد يحصلون خلالها على عدد من الترقيات والحوافز، كذلك سيُصبح معاش التقاعد أكبر مما حصل عليه في هذا السن المبكر من العمل.

فقبل التقاعد تحدثهم النفس بفتح المشاريع، وأنهم سيصبحون من رجال الأعمال الذين يشار إليهم بالبنان، وكأن المشاريع لا يُمكن أن يقوم بها إلا متقاعد.

وهنا أود القول بأنَّه من لم ينشئ مشروعه منذ بداية حياته العملية، فمن الصعب أن ينشئ مشروعاً بعدما ذاق الراحة والاتكالية في العمل وقبض أجره في نهاية الشهر.

ربما قلة قليلة نجحت في تكوين مشاريع صغيرة لقتل أوقات الفراغ لا أكثر، وأعرف الكثير الكثير ممن تقاعدوا مبكراً يعضون أصابع الندم لتقاعدهم المبكر، ولكن بعد فوات الأوان، في حين أن البعض يكابر ويوحي للآخرين بأنه اتخذ أجمل قرار في حياته، وأنه في قمة السعادة، وفي الواقع عكس ذلك.

 لقد قام البعض بمزاولة التجارة وفشل، كما قام البعض بالعمل في سيارة للأجرة كي يعوض النقص في الراتب، وأصبح يُرهق نفسه ليل نهار بعدما كان في راحة تامة في العمل.

إنَّ الإقدام على طلب التقاعد المبكر يجب أن يسبقه تخطيط مسبق قبل الإقدام على هذه الخطوة، فالرحلات الترفيهية والأسفار لأولئك الذين بلغوا سن التقاعد الطبيعي ولا خيار أمامهم، أما بالنسبة للشباب الذين تركوا العمل مبكراً واتجهوا إلى السفر والتجوال فإنَّ هذا انتحار، فالحياة ليست أكلا وشربا وسفرا ونوما.