"فورين بوليسي": هل ينقذ ترامب البيت الأبيض من الفوضى؟

ترجمة- رنا عبد الحكيم

حذرت مجلة فورين بوليسي الأمريكية من أن جون بولتون مستشار الأمن القومي الأمريكي يسير على نهج ويليام كلارك المستشار السابق في عهد الرئيس رونالد ريجان؛ إذ تسببت سياست بولتون المتشددة في نشوب خلاف حاد داخل البيت الأبيض.

وأشارت فورين بوليسي إلى أن غلاف مجلة "تايم" لخص كل شيء، حيث وضعت أعلى الصورة البائسة لويليام كلارك مستشار الأمن القومي للرئيس الراحل ريجان، العنوان الجريء: "نهج العصا الغليظة". وقالت فورين بوليسي في تقرير لها إن رسالة "تايم" كانت واضحة أن التاريخ يعيد نفسه. ويجب أن يكون هذا التاريخ المنسي في الغالب بمثابة تحذير لجون بولتون مستشار الأمن القومي للرئيس دونالد ترامب الذي أدى دفعه لاستخدام العصا الغليظة ضد إيران وكوريا الشمالية ودول أخرى إلى تكهنات حول مستقبله السياسي.

وعلى النقيض من كلارك، وهو من الموالين لريجان منذ فترة طويلة واعترف بافتقاره للخبرة في السياسة الخارجية، كان بولتون لاعباً أساسياً منذ عقود في مؤسسة الأمن القومي اليمينية. لكن مستشارَي الأمن القومي يتشاركان في صفة أساسية؛ أن كلاهما يضغطان بشدة من أجل سياسات متشددة ولا يلقون بالا لزملائهم أو لرؤسائهم.

فمساء الخميس الماضي، تراجع ترامب عن تنفيذ ضربة انتقامية ضد إيران، بتحريض- حسب ما ذُكر- من بولتون، في أعقاب إسقاط إيران لطائرة أمريكية مسيّرة. وصباح يوم الجمعة، أوضح ترامب على تويتر أنه ألغى الضربات، قائلاً إن الضربات كانت غير مناسبة مع الحادث.

وترى المجلة أن هناك رئيسا لا يملك الثقة الكافية في قراره ويضطر إلى تغييره نتيجة لحالة التشويش التي تسيطر على عمليات صنع القرار في البيت الأبيض؛ حيث يمضي كبار المستشارين في اتجاه والرئيس في اتجاه آخر. وبالنسبة لمستشار الأمن القومي، فإن السؤال المطروح هو ما إذا كان بإمكانه إيجاد طريقة لممارسة "سياسة العصا الغليظة" بفعالية دون التعرض للضرب المضاد. والسؤال بالنسبة لبقيتنا هو ما إذا كان ينبغي أن نشعر بالقلق بشأن كيفية وضع إدارة ترامب لسياسات أكثر من القرارات.

وهذا التوتر ليس جديدا، فعلى الرغم من أن الكثيرين اختاروا أن يتذكروا سياسة ريجان الخارجية، وخاصة قيادته للحرب الباردة، بعبارات أيقونية، إلا أن صنعها كان أكثر فوضوية. فكما هو الحال مع ترامب اليوم، لم يكن ريجان قائداً للقوات المسلحة. وبدلاً من ذلك، فقد فضل- وفقًا لما ذكره أحد المراقبين المقربين- أن يكون "الأولاد" (كما دعا الرئيس مستشاريه الأكبر سنًا) يقومون بتسوية خلافاتهم ثم تقديم توصية بالإجماع للحصول على موافقة الرئيس.

اليوم، وفي ظل التقارير الإخبارية حول الانقسامات العميقة بين أعضاء فريق الأمن القومي لدى ترامب وتأييد بولتون للسياسات العدوانية ضد إيران وغيرها، يجب على الأمريكيين أن يتذكروا قصة صعود كلارك وزواله.

لن يساعدهم ذلك على التنبؤ بما إذا كان ترامب سيعزل بولتون عبر تغريدة على تويتر أو متى سيتم ذلك، ولن يساعدهم على معرفة ما إذا كان ينبغي على الولايات المتحدة ضرب إيران، لكن التاريخ يذكرنا بأن السياسة الخارجية الفوضوية تشبه المحلول الحمضي الذي يقضي كل شيء: السمعة والعلاقات والخيارات السياسية العقلانية.

وترى المجلة ان رئيسا فوضويا مثل ترامب لا يتناسب تمامًا مع الطريقة المعتادة في صياغة السياسة الخارجية لواشنطن. فهناك القليل من المؤسسات التي كان هذا فيها أكثر وضوحًا من مجلس الأمن القومي.

وكان من الممكن لسياسي محنك مثل بولتون، الذي عمل في الإدارة الأمريكية وخارجها منذ عهد ريجان، أن يساعد في تنظيم شؤون البيت الأبيض. ويقول مستشار الأمن القومي "أنا فخور بأن أقول إنني بيروقراطي جيد"، والرئيس غير التقليدي يحتاج إلى شخص مثله.

ويبدو أن بولتون مهتم أكثر بمتابعة مبادراته الخاصة بشأن إيران وكوريا الشمالية وفنزويلا. ونتيجة لذلك، فمستشار الأمن القومي الذي نادراً ما يحجم عن تبادل وجهات نظره المتشددة وعدم احترام تراتبية القيادة، أو السعي للتغلب على أولئك الذين لم يوافقوا على رأيه، وجد نفسه في صف المخطئين مثل وزير الخارجية مايك بومبيو ورئيسهما ترامب. وقد اتخذ الرئيس في الأسابيع الأخيرة خطوات لينأى بنفسه علنًا عن بولتون، وقلص تصريحاته حول كوريا الشمالية وإيران.

وكان الانهيار الذي تلا ذلك متوقعًا، ولم يكن ارتباك مشهد توجيه ضربة إلى إيران من عدمه مفاجئا. الآن، حيث لا تزال التوترات مرتفعة مع إيران، يتخذ فريق ترامب للأمن القومي قرارات (ويتراجع عنها) بشأن أزمة متنامية في الشرق الأوسط حتى مع تسرب الأخبار والتوترات الداخلية إلى تويتر. وسيؤدي مثل ذلك الانهيار في النهاية إلى خيارات سياسية سيئة وتغييرات شخصية، مثل ما حدث قبل 36 عامًا.

واختتمت "فورن بوليسي" تقريرها بالتحذير مجددا من مغبة عدم اتخاذ ترامب خطوات تنظيمية للعملية السياسية في البيت الأبيض، سواء مع بولتون أو حتى التفكير في تعيين مستشار جديد للأمن القومي. وحتى الآن، كانت أزمات إدارة ترامب بسيطة أو من صنعها، لكن هذا النوع من الحظ لن يستمر على الأرجح. فهل ينقذ ترامب البيت الأبيض من الفوضى؟!

تعليق عبر الفيس بوك