الجمود الفكري

حمدان بن سيف الضوياني (أبوسعود)

 

ينشأ الجمود الفكري لدى الإنسان نتيجة قراءته المحدودة والمتكررة بالموروث أحادي الجانب ولعدم توسعه في القراءة والاطلاع على ما لدى الآخر، فضلا عن تعلقه الشديد وثقته التامة والراسخة بالقديم.

ويعتقد ذلك الإنسان أن العلم الصالح في ذلك الموروث وما عداه بدع وخزعبلات وخروج عما جاء به السلف الصالح، وأن هؤلاء لم يفتهم شيء وبما جاء في أقوالهم وكتاباتهم لا بديل عنه ولا ينقصه شيء.. نعم هؤلاء اجتهدوا في عصرهم ولهم اجتهادهم جزاهم الله خيرا، ولنا اجتهادنا في عصرنا ويحق لنا الاستفادة من ذلك الموروث. ولعل هؤلاء الذين جمدوا أفكارهم يسعون إلى إعاقة التقدم والتطور لأنهم جمدوا الفكر والعقل في قراءة ما كتب هؤلاء بدون أن ينظروا إلى ما طرأ على الحياة علميا وفكريا واجتماعيا وثقافيا وإنتاجيا وتصنيعيا، بل إنهم أخذوا على عاتقهم نقل الماضي على الحاضر بشكل مكانيكي، ويسقطونه على الواقع دون الأخذ بالمتغيرات ومتطلبات الحياة الإنسانية.

والتطور والتقدم الذي حدث ربما طغت عليهم الثقة المطلقة أكثر فأكثر وتطورت وأصبحت حتى نالت القدسية. ومما لاشك فيه أن هؤلاء تجاهلوا أو أنهم لم يطلعوا أو لم يقرؤا حتى يفهموا ما يحدث بالجامعات والمعاهد من دراسات والابتكارات العلمية في جميع علوم الحياة المجتمعية الإنسانية، وظل هؤلاء يكابرون ويقيدون أنفسهم في حجيرات ضيقة في دهاليز الموروث.

لا أدعو لأن نكون مبتوري ومقطوعي الجذور عن الماضي، بل أدعو إلى أن نوصله بالحاضر للاستفادة من ذلك الموروث الجليل، ولكن لا ننقله نقلا ولا نتقيد به حرفيا إلا بما يواكب عصرنا في تطوره وتقدمه، لأنه يظل اجتهادا بشريا. ولا شك أن سبب هذا الجمود وتلك الإعاقة الفكرية ابعدتنا كثيرا عن المدرسة الربانية "اقرأ" التي أخبر بها سيدنا جبريل عليه السلام، سيدنا ورسول أمتنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم "اقرأ"، ولم يخاطبه بشيء آخر، والخطاب واضح: تعلم، وهذا دليل على أهمية العلم للإنسانية، وهذه المدرسة "مدرسة اقرأ" تم غلقها وانغلقت معها أفكارنا وعقولنا عن نور الهداية الإيمانية العلمية المعرفية في الفكر والعلوم، وأصبحت المحصلة لا شيء واكتفينا بأننا مسلمين وبقينا مسلمين متسولون لجميع متطلبات الحياة الإنسانية والإيمانية علميا وفكريا وثقافيا وإنتاجيا وتصنيعيا، وعشنا في مربع الموت والجهل والفقر والمرض.

اللهم قولك حق "ادعوني استجب لكم".. اللهم اخرجنا من هذا الجهل والعجز المقيت والهمنا المعرفة والعلم والفكر من أجل قراءة كتابك ومعرفة سننك في الحياة وأسرارها التي بَنَيتَ بها الكون الذي جعلتنا عليه خليفة، وإننا نسألك أن تجعلنا من الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر.. اللهم آمين.

تحية وطنية لفلسطين العربية وطن عزيز لا نبيعه ولا نساوم عليه.

وعيدكم عمان، عمان المحبة والإخاء والسلام والعيش المشترك.. وكل عام والجميع بخير.

تعليق عبر الفيس بوك