لطائف أدبية

 

محمد علي العوض

 

يزخر القرآن الكريم بلطائف بلاغية غاية في الجمال والحس الذوقي، فهو قد نزل بلغة الضاد، وجاء على طريقتها في البيان والتعبير، لذا تجده غنيًا بألفاظ المجاز حين يكون المجاز أنسب في توصيل المعنى، وتجده مُرصعًا بالكناية حين تكون الكناية للوصف أصفى، بجانب ألفاظ التكثير والتقليل وصيغ المبالغة كما في قوله تعالى: (وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ) فالفعل "غلّق" جاء مضعفًا - أي مشددًا بالشدة- على وزن "فعَّل" بتضعيف العين، وكان القياس أن يأتي الفعل بتعبير "أغْلقَ" على وزن "أفْعلَ" التي تدل على حدوث الفعل مرة واحدة، بعكس الفعل "غلّقت" الدال على التكثير وتكرار الفعل وحدوثه عدة مرات؛ فبحسب سيبويه، أننا حينما نقول كَسَرت العصا فهذا يعني أننا كسَرناها بفعل واحد وحركة واحدة ولكن عندما نقول "كسّرت" العصا – بتشديد السين- فهذا يعني أنّي أكثرت من حركة كسر العصا وكررتها عدة مرات.

وصيغة (فعَّل) في مفردة "غلّقت" فيها دلالة على التكثير؛ أي إغلاق عدد كبير من أبواب القصر المُتعدد المداخل والمنافذ بطبيعته حتى تحول دون إفلات يوسف منها.

كما تدل صيغة (فعَّل) على المبالغة في الغلق، فقد أشار الزمخشري إلى أنّ زليخة أغلقت الأبواب إغلاقاً محكمًا بشدة وقوة حتى تطمئن، والطمأنينة هنا ذات شقين؛ طمأنينة عدم إفلات يوسف من مراودتها ويدها، وطمأنينة الستر حتى لا يتم ضبطتها بجرمها المشهود.

**

أراد أعرابي السفر فقال لزوجته:

عدي السنين لغيبتي وتصبري

وذري الشهور فإنهن قصار

فأجابته قائلة:

فاذكر صبابتنا إليك وشوقنا

وارحم بناتك إنهن صغار

**

حجَّ رجل من أهل العراق، فتقدم إلى مُزيّن وقال له: احلق رأسي حلقاً جيداً، واستقبل الشعر بالموسى، وأقبل يصف له كيف يعمل. فقال له: حسبك يا هذا، والله لأحلقن رأسك حلقاً لا يراه أحد إلا اشتهى أن يصفعك.

**

سُئل أعرابي: ما تسمون المرق فيكم؟

فأجاب: السَخِن!

فقالوا: فإن بَرَد؟

قال: لا ندعهُ يبرد.

**

قيل لأعرابية: ما أطيب الروائح؟ قالت: بدن تحبه، وولد تربيه.

**

سُمعت امرأة بدوية وهي تُرقّص ابناً لها وتقول: رزقك الله جَدّا يخدمك عليه ذوو العقول، ولا رزقك عقلاً تخدم به ذوي الجدود.

**

قالت العرب: يُرضي الكرام الكلام، ويصاد اللئام بالمال: ويسبى النبيل بالإعظام، ويُستصلح السفلة بالهوان.

**

شاور رجل حكيماً في التزوج فقال له: إياك والجمال، وأنشد يقول:

ولن تصادف مرعى ممرعاً أبداً

إلا وجدت به آثار مأكول

 

**

قيل: ستة لا تخطئهم الكآبة: فقير حديث عهد بالغنى، ومُكثر يخاف على ماله، وطالب مرتبة فوق قدرته، والحسود والحقود، ومخالط أهل الأدب وهو غير أديب.

**

وقال بعضهم: لا ينبغي للعاقل أن يكون إلا في إحدى منزلتين: إمّا في الغاية القصوى من مطالب الدنيا، وإما في الغاية القصوى من تركها.

**

خطب رجل بنتاً يتيمة كانت في حِجر عبد الله بن عباس، فقال له ابن عباس: لا أرضاها لك. قال: ولم ذاك؟ قال: لأنّها تطلع أعلى الشرفة وتنظر، وهي مع ذلك بريئة، فقال: إنّي لا أكره ذلك، فقال ابن عباس: أمّا الآن فإنّي لا أرضاك لها.

**

قال المأمون لابن الأكشف - وكان كثير الركوب للبحر- ما أعجب ما رأيت في البحر؟ قال: سلامتي منه.

**

كان الحكم بن عبد يغوث المنقري أرمى أهل زمانه، فأقسم يميناً أن يصطاد ظبياً، فحمل قوسه وكنانته، لكنه لم يصطد شيئاً، فرجع كئيباً حزيناً وبات ليلته على ذلك، ثم خرج إلى قومه صباحًا وقال: ما أنتم صانعون فإنّي قاتلُ نفسي إن لم أذبح ظبياً اليوم؟

فقال أخوه: يا أخي أجعل مكانها عشراً من الإبل تبر بها قسمك ولا تقتل نفسك.

قال: لا والله لا أظلم عاترة، وأترك النافرة

فقال له ابنه: يا أبتي احملني معك.

فانطلقا، فإذا هما بظبية، فرماها حكيم فأخطأها ثم تعرّضت لهما أخرى فقال له ابنه: يا أبت ناولني القوس.

فغضب حكيم وهم أن يضربه.

فقال له ابنه: أحمد بحمدك فإنّ سهمي سهمك.

فناوله حكيم القوس فرماها الابن فلم يخطئ. فقال حكيم: "ربّ رمية من غير رام" فصارت مثلا.

**

كان عُمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: لو كنت تاجراً لما اخترت عن العطر شيئاً، إن فاتني ربحه لم يفتني ريحه.

**

كانت سلمى بنت أيمن التميمية من أجمل النساء وزوجها من أقبح الرجال، فقالت له يوماً: علمت أنّي أنا وأنت في الجنة. قال: ولم؟ قالت: لأنّي رزقت مثلك فصبرت ورزقت مثلي فشكرت، والصبور والشكور في الجنة.

وقيل لها: كيف تصبرين على قبحه وأنت من الجمال بحيث أنت؟ فقالت: هو قدّم حسنة عند الله، بينما أذنبت أنا ذنباً، فصيّرني الله في ثوابه، وصيّره في عقابي.

 

**

دخل رجل على ابن شبرمة القاضي ليشهد في قضية؛ فقال له ابن شبرمة:‏ لا أقبل شهادتك.‏ فقال: ولِمَ؟ ‏قال: بلغني أنّ جاريةً غَنّت في مجلسٍ كنتَ فيه، فقلتَ لها: أحسنتِ!‏ ‏قال الرجل:‏ ‏قلتُ لها ذلك حين ابتدأت أو حين سكتتْ؟‏ فقال القاضي: حين سكتت.‏ قال: إنما استحسنتُ سكوتَها أيها القاضي.

فَقبِلَ شهادته.

**

يقال إنّ امرأة قبيحة ذهبت إلى العطار تشتري منه فلما رآها قال: "وإذا الوحوش حشرت" فقالت المرأة: "وضرب لنا مثلا ونسى خلقه".

**

سأل هشام بن عمر فتى إعرابياً عن عمره قائلاً: كم تعد يا فتى؟ فأجابه: أعد من واحد إلى ألف وأكثر.

فقال هشام لم أرد هذا بل أردت كم لك من السنين؟ ليجيبه الفتى بقول: السنون كلها لله عزّ وجلّ وليس لي منها شيء. فقال هشام: قصدت أسألك ما سنك؟ فأجاب الفتى: سني من عظم. فقال هشام: يا بني إنما أقصد ابن كم أنت؟ فردّ الفتى: ابن اثنين طبعاً أب وأم. فقال هشام: يا إلهي إنما أردت أن أسألك كم عمرك؟ فأجاب الفتى: الأعمار بيد الله لا يعلمها إلا هو. فقال هشام: ويلك يا فتى لقد حيرتني ماذا أقول؟

فأجابه الفتى: قل كم مضى من عمرك؟