ماذا تريد الولايات المتحدة للمنطقة! (2ـ 2)

 

عبد الله العليان

 

تحدّثت في الجزء الأول من هذا المقال عن التوترات والحروب في المنطقة، وكيف أنّها جرت عليها الويلات، ولا تزال آثارها باقية وشاهدة على مآسيها السياسية والاقتصادية والنفسية على شعوبها.

ولا شك أنّ الأزمة الراهنة بين الولايات المتحدة وإيران مستعرة، حتى إنّ بعض التوقعات تنذر بحرب مقبلة، وأسبابها متوقعة من خلال التوترات السياسية، والحرب الاقتصادية على إيران، قد تنتقل إلى حرب عسكرية، وهذه الحرب لو قامت فإنّ المنطقة وشعوبها، هي التي ستكون الوقود لهذه الحرب المدمرة، وهذه بلا شك قد تعيدها إلى قرون غابرة من التخلف والدمار والصراعات - وهذه الأخيرة- مصيبة المصائب التي قد خطط لها بعض الاستراتيجيين في الغرب قبل عقود مضت، وكتبوا وصرحوا بأنّ هناك سيناريو جاهزا لإحداث خرائط للمنطقة، فأي حرب مقبلة قد تجر إلى مثل هذه التقسيمات، وهذا ليس بعيداً، ولذلك فإنّ الأمر سيكون منذراً بعواقب وخيمة، فهذه التوترات لازالت تراوح مكانها حتى، وأحياناً تكون خافتة وسرية، لأسباب عسكرية وتكتيكية! وإن كانت أحاديث الدولتين في الظاهر، أنهما تريدان هذه الحرب، ولا يسعيان إليها، قد يكون هذا صحيحاً العقل والمنطق، لكن صراعات المصالح، وعقلية القوة، والسعي إلى إثبات المقدرة في فرض الشروط والأمر الواقع، قد تجعل المواجهة حقيقة واقعة.

صحيح أنّه ليس سهلاً على الولايات المتحدة الدخول في حرب بهذه المنطقة، فهي تدرك آثارها على مصالحها، وهي أيضا -بغض النظر- عمن سيدفع إلى هذه الحرب تدرك المخاطر الناجمة عنها، وقد لا يدرك البعض أنّ إسرائيل لديها رغبة جامحة لضرب إيران، وضرب قدراتها النووية والعسكرية كما تقول، وهذا الأمر أحد الدوافع التي جعلت الرئيس، ترامب، يلغي الاتفاق النووي عام 2018، ويؤجج هذه الأزمة من خلال تحريك القوات، والأساطيل، وإرسال حاملات الطائرات، والتلويح بحرب... إلخ: لكن البعض يرى هذه التهديدات بالحرب، وبالحصار الاقتصادي كما أعلن عنه منذ عدة أسابيع، مجرد ضغوط سياسية، لإجبار إيران بقبول بعض الشروط حول الاتفاق النووي، لكن إيران ترى أنّ هذا الاتفاق، تمّ توقيعه على المستوى الدولي، وبحضور دول أوروبية كبرى، فلماذا يتم إلغاء هذا الاتفاق وهو من الاتفاقات التي لاقت قبولاً من الدول الحليفة للولايات المتحدة؟

فالتوقعات أنّ هذا التغيير في السياسة الأمريكية، بعد وصول الجمهوريين إلى سدة الحكم، ومنها إلغاء الاتفاق النووي أنّ الأزمة مع إيران منذ قضية الرهان، وتنامي القدرات العسكرية الإيرانية، خلال العقدين الماضيين، كانت هي الدافعة إلى إثارة التوتر، وإلغاء الاتفاق هو المدخل لما يجري الآن بينهما بدعوى أنّ إيران لم تلتزم بالاتفاق، أو أنّها تحاول إنتاج أسلحة نووية، ولا شك أنّ إسرائيل هي التي تدفع الرئيس ترامب إلى هذه المواجهة، لكن الأمر الخطير فيما يجري الآن أنّ هناك خلافات بين إيران وبعض دول المنطقة، وهذه الخلافات قائمة منذ عدة عقود، والخوف أن تكون هذه المنطقة، ساحة حرب لما يجري بين إيران والولايات المتحدة، ويرى بعض المحللين أنّ ما جرى من هجمات لبعض السفن في أحد موانئ إمارة الفجيرة بدولة الإمارات، وبعض المنشآت النفطية بالمملكة العربية السعودية هي رسائل بأن المنطقة لن تكون بعيدة عن آثار الحرب لو وقعت- لا سمح الله - لذلك من المهم أن تكون هناك خطوات لدول المنطقة، لإبعاد شبح الحرب، وعدم التهييج لقيامها، فهذه الحرب ضررها الأكبر سيقع عليها والأسباب ليست خافية، وهذه حقيقة واقعية ولا تحتاج إلى مراجعة وتقييم، فالمنطقة تعاني أزمة اقتصادية صعبة، وتصدعا داخليا بين دول المجلس، والحرب في اليمن تساهم أيضاً في الأزمة القائمة، كل هذا التوترات، تجعل إبعاد مخاطر الحرب، قضية لها الأولوية بين دول المنطقة.